للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور: {عاقبتم} بالألف والتخفيف فيهما، وقرىء بالتشديد فيهما من غير ألف.

روي: أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد، بقروا بطونهم، وقطعوا مذاكيرهم، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حمزة مبقور البطن، فقال: "أمَّا والذي أحلف به لأمثلن بسبعين مكانك"، فنزلت، فكفر عن يمينه، وكف عما أراد، ولا خلاف في تحريم المثلة، لورود الأخيار بالنهي عنها، حتى بالكلب العقور.

{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} وعفوتم، وتركتم المعاقبة بالمثل {لَهُوَ} بضم الهاء وسكونها قراءتان سبعيتان، والضمير يرجع إلى مصدر صبرتم، والمراد بالصابرين المخاطبون؛ أي: ولئن صبرتم لصبركم {خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}؛ أي: خير لكم، فوضع (١) الصابرين موضع الضمير ثناءً من الله عليهم؛ لأنهم صابرون على الشدائد، يعني: ولئن عفوتم وتركتم استيفاء القصاص وصبرتم .. كان ذلك العفو والصير خيرًا من استيفاء القصاص، وفيه أجرٌ للصابرين العافين؛ أي: وإن (٢) عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم .. فلكم في العقاب إحدى طريقين:

١ - أن تعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة.

٢ - أن تصبروا وتتجاوزوا عما صدر منه من الذنب، وتصفحوا عنه، وتحتسبوا عند الله ما نالكم به من الظلم، وتكلوا أمركم إليه، والله يتولى عقوبته، والصبر خير للصابرين من الانتقام، لأنَّ الله ينتقم من الظالم بأشد مما كان ينتقم منه لنفسه.

والخلاصة: أنكم إن رغبتم في القصاص - فاقنعوا بالمثل، ولا تزيدوا عليه، فإنَّ الزيادة ظلمٌ، والظلم لا يحبه الله، ولا يرضى به، وإن تجاوزتم عن العقوبة وصفحتم .. ذلك خيرٌ وأبقى، والله هو الذي يتولى عقاب الظالم، ويأخذ بثأر المظلوم.

١٢٧ - ثم أمر رسوله بالصبر صراحةً بعد أن ندب إليه غيره تعريضًا، لأنه أولى


(١) النسفي.
(٢) المراغي.