للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي تفسير الآية إشارة إلى أن حب الوطن من الإيمان، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كثيرًا: الوطن الوطن، فحقق الله سبحانه سؤله، ويقال: الإبل تحن إلى أعطانها، وإن كان عهدها بعيدًا، والطير إلى وكره وإن كان موضعًا مجدبًا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر له نفعًا.

واعلم (١): أن الميل إلى الأوطان، وإن كان لا ينقطع عن الجنان، ولكن يلزم للمرء أن يختار من البقاع أحسنها دينًا، حتى يتعاون بالإخوان، قيل لعيسى عليه السلام: من نجالس يا روح الله، قال: من يزيد في علمكم منطقه، ويذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله، والعاقل يختار الفراق عن الأحباب والأوطان، ولا يجترىء على الفراق عن الملك الديان:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا فَارَقْتَهُ عِوَضٌ ... وَلَيْسَ لِلَّهِ إِنْ فَارَقْتَ مِنْ عِوَضِ

فاقطع الألفة عما سوى الله اختيارًا قبل الانقطاع اضطرارًا.

٨٦ - ثم ذكره سبحانه نعمه، ونهاه عن معاونة المشركين ومظاهرتهم، فقال: {وَمَا كُنْتَ} يا محمد {تَرْجُو} وتطمع قبل إرسالك {أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} أي: أن يوحى إليك القرآن، والمعنى: سيردك يا محمد إلى معادك وبلدك، كما ألقى إليك القرآن وما كنت ترجوه، فهو تقرير للوعد السابق.

وقوله: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} استثناء منقطع؛ أي: ولكن ألقاه إليك رحمة لك منه، فأعمل به، خصك بهذه الرحمة عن جميع الأنبياء؛ لأن كتبهم أنزلت في الألواح والصحف على صورتهم وذاتهم، وكتابك نزل به الروح الأمين على قلبك، ويجوز أن يكون متصلًا حملًا على المعنى، كأنه قيل: وما ألقي إليك الكتاب إلا لأجل الرحمة من ربك، والأول أولى، وبه جزم الكسائي والفراء.

والمعنى (٢): أي وما كنت يا محمد قبل مجيء الرسالة إليك ترجو أن تكون نبيًا، وينزل عليك القرآن، فتعلم أخبار الماضين من قبلك وما سيحدث من بعدك، وما فيه من تشريع فيه سعادة البشر في معاشهم ومعادهم، وآداب هي


(١) روح البيان.
(٢) المراح.