والثالث: دلالة المصنوعات على أن صانعها متصف بنعوت الجلال، مقدس عن الإمكان وما يتبعه.
وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح لله، حيًّا كان أو جمادًا، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده. وهذا على الإطلاق. وأما بالنسبة إلى كل موجود: فالتسابيح مختلفة، فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث ما يقتضيه نشأته، كما قال بعض الكبار. فإذا رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بالذكر الذي أنت عليه .. فكشفك خيالي غير صحيح لا حقيقي، وإنما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات، فإذا شهدت في هؤلاء تنوعات الأذكار .. فهو الكشف الصحيح، انتهى.
{وَهُوَ} سبحانه {الْعَزِيزُ}؛ أي: ذو العزة القاهرة {الْحَكِيمُ}؛ أي: ذو الحكمة الباهرة. وفي إيراد الوصفين بعد التسبيح إشارة إلى الباعث له والداعي إليه؛ لأن العزة أثر الجلال، والحكمة أثر الجمال، فله تعالى الاتصاف بصفات الكمال.
٢ - قال المفسرون (١): نزلت هذه السورة في بني النضير - وهم: طائفة من اليهود من ذرية هارون أخي موسى عليه السلام - وكان بنو النضير، وقريظة وبنو قينقاع في وسط أرض العرب من الحجاز وإن كانوا يهودًا، والسبب في ذلك: أن بني إسرائيل كانت تُغِير عليهم العماليق في أرض الحجاز، وكانت منازلهم: يثرب والجحفة إلى مكة، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام، فوجه إليهم جيشًا وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدًا، ففعلوا ذلك، وترك منهم ابن مَلِكٍ لهم كان غلامًا حسنًا، فرقوا له. ثم رجعوا إلى الشام وموسى قد مات، فقالت بنو إسرائيل: قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم، فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها ونكون بها، فرجعوا إلى يثرب، فاستوطنوها وتناسلوا بها إلى أن نزل عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم، فكانوا معهم إلى الإِسلام، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - .. صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه، فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم، فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا وظهر على المشركين .. قال بنو النضير: والله إنه النبي الأمي الذي نجد نعته في التوراة، لا تُردُّ له راية. فلما غزا أُحدًا وهزم المسلمون .. ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين، ونقضوا