للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأربعة المذكورة في الآية الأخيرة أمورا غامضة لا بد فيها من الاجتهاد في الفكر حتى يقف على موضع الاعتدال .. ختمت بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. وجملة ما ذكر في هاتين الآيتين من المحرمات تسعة أشياء: خمسة بصيغ النهي، وأربعة بصيغ الأمر، وتؤول الأوامر بالنهي؛ لأجل التناسب، وهذه الأحكام لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار.

وقرأ حفص وحمزة والكسائي (١): {تذكّرون} حيث وقع بتخفيف الذال حذف التاء؛ إذ أصله: تتذكرون، وفي المحذوف خلاف، أهي تاء المضارعة أو تاء تفعل؟ وقرأ باقي السبعة: {تذّكرون} - بتشديد الذال - أدغم تاء تفعّل في الذال.

١٥٣ - والعاشر: ما ذكره بقوله: {وَأَنَّ هذا} الذي (٢) وصيتكم به وأمرتكم به في هاتين الآيتين هو. {صِراطِي}؛ أي: طريقي وديني الذي ارتضيته لعبادي حالة كونه {مُسْتَقِيمًا}؛ أي: قويما مستويا لا اعوجاج فيه {فَاتَّبِعُوهُ}؛ أي: فاسلكوه واعملوا بمقتضاه من تحريم وتحليل، وأمر ونهي وإباحة {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}؛ أي: ولا تسلكوا الطرق المختلفة، والأهواء المضلة، والبدع الرديئة. وقيل: السبل المختلفة مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل والأديان المخالفة لدين الإسلام {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ}؛ أي: فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة {عَنْ سَبِيلِهِ}؛ أي: عن دينه وطريقه الذي ارتضاه لعباده.

وقرأ الجمهور: {فَتَفَرَّقَ} بتاء خفيفة، وقرأ البزي {فتّفرّق}: بتشديدها. فمن خفف حذف إحدى التائين، ومن شدد أدغم وقيل: معنى الآية؛ أي: وإن (٣) هذا القرآن الذي أدعوكم إليه، وأدعوكم به إلى ما يحييكم هو صراطي ومنهاجي الذي أسلكه إلى مرضاة الله، ونيل سعادة الدنيا والآخرة حال كونه مستقيما لا يضل سالكه، ولا يهتدي تاركه؛ فاتبعوه وحده؛ ولا تتبعوا السبل الأخرى التي تخالفه - وهي كثيرة - فتتفرق بكم عن سبيله بحيث يذهب كل منهم في سبيل


(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.