للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضلالة ينتهي بها إلى الهلكة، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.

والخلاصة: أن هذا صراطي مستقيما لا عوج فيه؛ فعليكم أن تتبعوه إن كنتم تؤثرون الاستقامة على الاعوجاج، وترجحون الهدى على الضلال.

وقيل (١): إن الله تعالى لما بين في الآيتين المتقدمتين ما وصاه به مفصّلا .. أجمله في هذه الآية إجمالا يقتضي دخول جميع ما تقدم ذكره فيه، ويدخل فيه أيضا جميع أحكام الشريعة، وكل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام؛ وهو المنهج القويم والصراط المستقيم والدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين، وأمرهم باتباع جملته وتفصيله.

وأخرج أحمد والنسائي وأبو الشيخ والحاكم عن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده، ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيما»، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: «وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.

وإنما جعل الصراط المستقيم واحدا (٢)، والسبل المخالفة متعددة؛ لأن الحق واحد، والباطل وهو ما خالفه كثير، فيشمل الأديان الباطلة سواء أكانت وضعية أو سماوية، محرفة أو منسوخة. ونهى عن التفرق في صراط الحق، وسبيله؛ لأن التفرق في الدين الواحد، وجعله مذاهب يتشيع لكل منها شيعة وحزب ينصرونه، ويتعصبون له ويخطّئون من خالفه، ويرمون أتباعه بالجهل والضلال سبب لإضاعته؛ إذ كل شيعة تنظر فيما يؤيد مذهبها ويظهرها على مخالفيه، ولا يهمها إثبات الحق وفهم النصوص، والحق لا يكون وقفا على عالم معين، ولا على أتباعه، بل كل باحث يخطئ ويصيب، وذلك ما دل عليه العقل، وأثبته الكتاب والسنة والإجماع. ولما كان اتباع الصراط المستقيم وعدم التفرق


(١) الخازن.
(٢) المراغي.