٨٣ - ولما ذكر الدليل القاطع على نفي الولد، أمره أن يتركهم وشأنهم فيما يقولون، فقال:{فَذَرْهُمْ}؛ أي: اترك أيها الرسول هؤلاء الكفرة، حيث لم يذعنوا للحق بعدما سمعوا هذا البرهان الجلي، ولم يهتدوا بما هديتهم به، ولا أجابوك إلى ما دعوتهم إليه {يَخُوضُوا} بالجزم في جواب الطلب؛ أي: يشرعوا في أباطيلهم وأكاذيبهم والخوض (١): هو الشروع في الماء، والمرور فيه، ويستعار للأمور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه، كما في "المفردات"{وَيَلْعَبُوا} في دنياهم، ويلهوا فيها، فإن ماهم فيه من الأقوال والأفعال ليست إلا من باب الجهل واللعب يقال: لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدًا صحيحًا، قالوا: كل لعب لا لذة فيه فهو عبث، وما كان فيه لذة فهو لعب {حَتَّى يُلَاقُوا} ويعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} على لسانك، وهو يوم القيامة، فإنهم يومئذ يعلمون ما فعلوا وما يفعل بهم، قال سعدي المفتي: والأظهر: يوم الموت، فإن خوضهم ولعبهم إنما ينتهي به.
يقول الفقير: وفيه أن الموعود هو يوم القيامة؛ لأنه الذي كانوا ينكرونه، لا يوم الموت الذي يشكون فيه، ولما كان يوم الموت متصلًا بيوم القيامة، على ما أشار إليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات فقد قامت قيامته" جعل الخوض واللعب منتهيين بيوم القيامة.
وفي الآية: إعلام بأنهم من الذين طبع الله على قلوبهم، فلا يرجعون عما هم عليه أبدًا، وإشارة إلى أن الله سبحانه، خلق الخلق أطوارًا مختلفة، فمنهم من خلقه للجنة، فيستعده للجنة بالإيمان والعمل الصالح وانقياد الشريعة ومتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من خلقه للنار، فيستعده للنار، برد الدعوة والإنكار والجحود والخذلان، ويكله إلى الطبيعة النفسانية الحيوانية، التي تميل إلى اللهو واللعب والخوض فيما لا يعنيه، ومنهم من خلقه للقربة والمعرفة، فيستعده لهما بالمحبة والصدق والتوكل واليقين.
واعلم: أن الاشتغال بما سوى الله تعالى من قبيل اللهو واللعب إذ ليس فيه