للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: واتل يا محمد في القرآن قصة إدريس - عليه السلام - على قومك بالثناء، والنسابون يقولون: إنه (١) جد أبي نوح، فإن نوحًا بن لمك، بن مشوشلخ، بن أخنوخ وهو إدريس النبي - عليه السلام - بن يرد، بن مهلاييل، بن قينان، بن أنوش، بن شيث، بن آدم - عليه السلام - ولد إدريس وآدم حي قبل أن يموت بمئة سنة، كذا في "روضة الخطيب" ويقولون: إنه أول من وضع الميزان والمكيال، وأول من اتخذ السلاح، وجاهد في سبيل الله، وسبق واسترق بني قابيل، وأول من خط بالقلم، ونظر في علم الحساب والنجوم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وكانوا قبله يلبسون الجلود، وأول من لبس ثوب القطن، واشتقاقه من الدرس، فلُقِّب به لكثرة دراسته، إذ رُوي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفةً، وجعل الله ذلك من معجزاته، وإن تقادم العهد، وطول الزمن، وعدم وجود السند الصحيح الذي يعوَّل عليه في الرواية يجعلنا في شكٍ من كل هذا، فعلينا أن نكتفي بما جاء به الكتاب الكريم في شأنه، وقد وصفه الله بجملة صفاتٍ كلها مفاخر، ومناقب إعظام وإجلالٍ:

١ - {إِنَّهُ}؛ أي: إن إدريس - عليه السلام - {كَانَ صِدِّيقًا}؛ أي: ملازمًا للصدق في أحواله.

٢ - {نَبِيًّا} ينبىء عن الله تعالى - خبر آخر لـ {كان} مخصص للأول - إذ ليس كل صديق نبيًا، قال عباس بن عطاءٍ: أدنى منازل المرسلين أعلى مراتب النبيين، وأدنى مراتب النبيين أعلى مراتب الصديقين، وأدنى مراتب الصديقين أعلى مراتب المؤمنين

٥٧ - {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)}؛ أي (٢): أعلينا قدره، ورفعنا ذكره في الملأ، ونحو هذا قوله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} وقيل: إن معنى رفعه ما أعطي من شرف النبوة، وقيل: إنه رفع إلى الجنة، وقيل: معنى قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧) أي: رفعناه إلى السماء الرابعة، وهذا القول أصح. ويدل عليه ما روى أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.