للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحكم والنصائح سماع تفقه وتدبر {وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}. إذ أن قلوبهم قد ملئت بمعتقدات وشهوات تصرفها عن غيرها، فجعلتهم من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، وقد كان في مثل هذه القصص عبرة للمسلمين أيما عبرة، فكتابهم يقص عليهم قصص الأمم قبلهم، ويبين لهم أنّ ذنوب الأمم لا تغفر، كذنوب الأفراد، وسننه فيها لا تتبدل ولا تتحول، فكان عليهم أن يتقوا كل ما قصه من ذنوب الأمم التي هلك بها من قبلهم، وزالت بها الدولة لأعدائهم، ولكنهم قصروا في وعظ الأمة بها، وإنذارهم عاقبة الإعراض عنها، وكان عليهم أن يعتبروا بقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «شيبتني هود وأخواتها» وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)}.

وفي «زاد المسير» وقرأ يعقوب (١): {نهد} بالنون، وكذلك في طه والسجدة. قال الزجاج: من قرأ بالياء .. فالمعنى: أو لم يبين الله لهم؟ ومن قرأ بالنون .. فالمعنى: أو لم نبين؟ انتهى.

وقال الشوكاني: قرىء {نهد} (٢) بالنون وبالتحتية، فعلى قراءة النون يكون فاعل الفعل هو الله سبحانه وتعالى، ومفعول الفعل: {أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}؛ أي: أنّ الشأن هو هذا، وعلى قراءة التحتية يكون فاعل يَهْدِ هو {أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}؛ أي: أخذناهم بكفرهم وتكذيبهم، والهداية هنا بمعنى التبيين، ولهذا عدّيت باللام. انتهى.

١٠١ - {تِلْكَ الْقُرى} التي بعد عهدها، وطال الأمد على تاريخها، وجهل قومك حقيقة حالها التي أهلكناها - وهي قرى قوم نوح، وهود وصالح، ولوط، وشعيب - المتقدم ذكرها {نَقُصُّ} ونتلو {عَلَيْكَ} يا محمد ونخبرك {مِنْ أَنْبائِها}؛ أي: بعض أخبارها، مما فيه العبرة لقومك، والتسلية لك وللمؤمنين؛ لأنّه (٣) إنّما قص عليه صلى الله عليه وسلّم ما فيه عظة وإنزجار، دون غيرهما، ولها أنباء غيرها لم يقصها عليه؛


(١) زاد المسير.
(٢) فتح القدير.
(٣) الفتوحات.