للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٧٥ - ثم أخبر سبحانه بأنَّ من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأولين والأنصار .. فهو من جملتهم؛ أي: من جملة المهاجرين الأولين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة وكمال الإيمان, والمغفرة والرزق الكريم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {مِنْ بَعْدُ}؛ أي: من بعد الهجرة الأولى، وقبل فتح مكة؛ لأنَّ الهجرة انقطعت بفتح مكة؛ لأنَّها صارت دار إسلام بعد الفتح {وَهَاجَرُوا} من مكة إلى المدينة بعد المهاجرين الأولين، بأن هاجروا بعد صلح الحديبية في السنة السادسة، وقبل الفتح، والسابقون: هم الذين هاجروا قبلها {وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ} في بعض مغازيكم {فَأُولَئِكَ} المذكورون {مِنْكُمْ}؛ أي: من جملتكم أيها المهاجرون الأولون والأنصار في المناصرة والموالاة، يعني (١) أنهم منكم، وأنتم منهم، فلهم ما لكم، لكن فيه دلالةٌ على أنَّ مرتبة المهاجرين الأولين أشرف وأعظم من مرتبة المهاجرين المتأخرين بالهجرة؛ لأنَّ الله سبحانه ألحق المهاجرين المتأخرين بالمهاجرين السابقين، وجعلهم معهم، وذلك معرض المدح والشرف، ولولا أنَّ المهاجرين الأولين أفضل وأشرف .. لما صحَّ هذا الإلحاق.

ثم بيَّن سبحانه بأنَّ أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم وقرابة في التوارث والتناصر والموالاة، فقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}؛ أي: أصحاب القرابات والأرحام، جمع رحم - بزنة قفل وكتف - وأصله: رحم المرأة، وهو موضع تكوين الولد، سمي به الأقارب لأنهم من رحم واحد؛ أي: وأولوا الأرحام، وأصحاب القرابات {بَعْضُهُمْ أَوْلَى} وأحق {بِبَعْضٍ} من المهاجرين والأنصار الأجانب في التناصر والتعاون والتوارث في دار الهجرة في ذلك العهد وفي كلِّ عهد {فِي كِتَابِ اللَّهِ}؛ أي: في حكمه الذي كتبه، وأوجبه على عباده المؤمنين، من صلة الأرحام، والوصية للوالدين وذي القربى، وفي حكمه الذي بينه في كتابه بالسهام المذكورة في سورة النساء، أي: بعضهم أولى بعض في الإرث من التوارث بالإيمان والهجرة المذكورة في الآية السابقة.


(١) الخازن.