للفاصلة، وكذلك قال له: كن من غير أب .. فكان ولدًا بلا أب، فإذا كان آدم كذلك، ولم يكن ابنًا لله .. فكذلك عيسى، فمن لم يقرَّ بأن الله خلق عيسى من غير أب مع إقراره بخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو خارج عن طور العقلاء، وأيضًا: إذا جاز أن يخلق الله آدم من التراب .. فيجوز خلق الله تعالى عيسى من دم مريم من باب أولى، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقربُ إلى العقل من تولده من التراب اليابس.
ثم أكد الله سبحانه وتعالى صدق هذا القصص، فقال:
٦٠ - {الحق من ربك} خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الحق؛ أي: ما قصصنا عليك يا محمَّد في شأن عيسى وأمه مريم، هو الخبر الحق، والقول الصدق، والأمر الثابت الذي لا شك فيه حالة كونه موحى إليك من ربك، لا ما تعتقده النصارى في المسيح من أنه إله، أو ابن الله، ولا ما تزعمه اليهود من رمي مريم بيوسف النجار. {فَلَا تَكنُ} يا محمَّد {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}؛ أي: من الشاكين فيما بينت لك في شأن عيسى وأمه، وهو كونه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم؛ أي: فلا تشكن في أمرهما بعد أن جاءك العلم اليقيني به، وهذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن المقصود به نهي غيره لعصمته عن مثل ذلك الامتراء.
وفي النهي للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع استحالة وقوع الامتراء منه فائدة من وجهين:
الأول: إذا سمع - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الخطاب .. ازداد رغبة في الثبات على اليقين، واطمئنان النفس.
والثاني: إذا سمعه غيره ازدجر ونزع عما يورث الامتراء؛ إذ أنه - صلى الله عليه وسلم - على جلالة قدره خوطب بمثل هذا، فما بالك بغيره.
وخلاصة ذلك: دم على يقينك يا محمَّد، وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان إلى الحق، والتنزه عن الشك فيه.
٦١ - {فَمَنْ حَاجَّكَ} وخاصمك وجادلك {فِيهِ}؛ أي: في شأن عيسى، وهم النصارى الذين وفدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نجران، كما مر في مقام أسباب النزول. {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ}؛ أي: بعد الذي جاءك وأوحي إليك {مِنَ الْعِلْمِ}؛ أي: من الآيات البينات التي تفيد العلم واليقين، بأن