للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متشابكة، فلها منظرٌ ورواءٌ حسنٌ ووضعٌ أنيقٌ يخلب اللب بجماله وبهجته إذا امتلأ منه البصر.

روي: أن أخوين من بني إسرائيل ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فتشاطراها، فاشترى الكافر بنصيبه ضياعًا وعقارًا، وأنفق المؤمن ما ورثه في وجوه الخير وطاعة الله، وآل أمرهما إلى ما قصه الله علينا في كتابه، وسواء أصحت الرواية أم لم تصحّ، فإن ضرب المثل لا يتوقف على صحتها.

٣٣ - وقد ضرب الله المثل ليبين حال الفريقين المؤمنين والكافرين، من قبل أن الكفار مع تقلبهم في النعيم قد عصوا ربهم، وأن المؤمنين مع مكابدتهم للشدائد والبأساء قد أطاعوه {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ}؛ أي: كل من البستانين {آتَتْ أُكُلَها}؛ أي: أعطت وأخرجت ثمرها كل عام، وبلغ مبلغًا صالحًا للأكل وإفراد (١) الضمير في {آتَتْ} للحمل على لفظ المفرد، قال الحريري: ولا يثنى خبر كلا إلا بالحمل على المعنى {وَلَمْ تَظْلِمْ}؛ أي: ولم تنقص {مِنْهُ}؛ أي: من أكلها وثمرها {شَيْئًا} في سائر الأعوام على خلاف ما يعهد في الكروم والأشجار من أنها تكثر غلتها أعوامًا، وتقل أعوامًا أخرى، فقوله: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}؛ أي: في بعض السنين بل في كل سنة يأتي ثمرها وافيًا.

وقرأ الجمهور (٢): كلتا الجنتين، وفي مصحف عبد الله {كلا الجنتين}، أتى بصيغة التذكير، لأن تأنيث الجنتين مجازي، ثمّ قرأ {آتت} فأنّث، لأنه ضمير مؤنّث، فصار نظير قولهم: طلع الشّمس، وأشرقت، وقال الفراء في قراءة ابن مسعود: {كل الجنتين آتى أكله} انتهى. فأعاد الضمير على كل {وَفَجَّرْنا}؛ أي: أجرينا وشققنا {خِلالَهُما}؛ {خِلالَهُما}؛ أي: وسط الجنتين {نَهَرًا} ليسقيهما دائما من غير انقطاع، وقرأ (٣) الجمهور، {وَفَجَّرْنا} بتشديد الجيم للمبالغة، وقال الفراء: إنما شدد {وَفَجَّرْنا} وهو نهر واحد، لأن النهر يمتد، فكان التفجر فيه


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.