نصرة الله بإعلاء دينه، ونصرة رسوله ببذل وجودهم في طاعته أو مقارنة، فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة نصرة، وأي نصرة {أُولَئِكَ} المهاجرون الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة، وهو مبتدأ، وخبره {هُمُ الصَّادِقُونَ}؛ أي: الكاملون في الصدق الراسخون فيه، حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورًا بينًا كأنّ الصدق مقصور عليهم لكمال آثاره.
أي: هؤلاء (١) هم الصادقون في إيمانهم؛ إذ قد فعلوا ما يدل على الإخلاص فيه والرغبة الصادقة من نيل المغفرة والكرامة عند ربهم، فهم قد أخرجوا من ديارهم وهي العزيزة على النفوس المحببة إلى القلوب.
وتركوا الأموال، والمال شقيق الروح، وكثيرًا ما يقتل المرء في سبيل الذود عنه وانتزاعه من أيدي غاصبيه، وما فعلوا ذلك إلا لإعلاء منار الدِّين ورفعة شأنه، وذيوع ذكره. فحق لهم من ربهم النعيم المقيم وجزيل الثواب، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كفاء ما قاموا به من جليل الأعمال وعظيم الخلال.
روي: أن رجلًا منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ منهم الحفيرة في الشتاء، ماله دثار غيرها.! وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بشروا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، يدخلون الجنة قبل الناس بنصف يوم، وذلك خمس مئة سنة". أخرجه أبو داود.
٩ - ثم مدح سبحانه الأنصار، وأثنى عليهم حين طابت نفوسهم على الفيء، إذ جعل للمهاجرين دونهم، فقال:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ}؛ أي: لزموا دار الهجرة، وهي المدينة، {و} أخلصوا {الْإِيمَانَ} لله تعالي، مبتدأ خبره سيأتي. وهو كلام مستأنف مسوق لمدح الأنصار بخصال حميدة، من جملتها: محبتهم للمهاجرين، ورضاهم باختصاص الفيء بهم أحسن رضا وأكمله. ويجوز نصبه على المدح.