للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصلاب القوم {الصَّالِحِينَ} والمرسلين؛ لكونه من نسل الأنبياء أو كائنًا من جملة الصالحين، ولا غرو أنه من جملة الصالحين، وأنه من أصلاب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

٤٠ - {قَالَ} زكريا لجبريل حين بشره بالولد {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ}؛ أي: يا سيدي: على أي حال يكون لي ذلك الغلام أتردني وامرأتي إلى حال الشباب أم مع حال الكبر؟ {قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}؛ أي: أدركني كبر السن {امْرَأَتِي عَاقِرٌ}؛ أي: عقيم لا تلد. قال ابن عباس: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن مئة وعشرين سنة، وكانت امرأته أيشاع بنت فاقوذ بنت ثمان وتسعين سنة.

والظاهر (١): أن هذا الخطاب منه لله سبحانه، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملد، وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله، وقيل: إنه أراد بالرب جبريل؛ أي: يا سيدي كما فسرنا، كذلك قيل: وفي معنى هذا الاستفهام وجهان:

أحدهما: أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟

والثاني: قيل: معناه بأي سبب استوجب هذا، وأنا وامرأتي على هذه الحال؟ وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظامًا لقدرة الله سبحانه وتعالى، لا لمحض الاستبعاد، وقيل: إنه قد مرَّ بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة، وقيل: عشرون سنة، فكان الاستبعاد من هذه الحيثية. والله أعلم

وفي "المراغي" (٢): أن زكريا لما رأى ما رأى من نعم الله على مريم، من كمال إيمانها، وحسن حالها، واعتقادها أن المسخر لها والرازق لما عندها هو من يرزق من يشاء بغير حساب .. أخذ عن نفسه، وغاب عن حسه، وانصرف عن العالم وما فيه، واستفرق قلبه في ملاحظة فضل الله ورحمته، فنطق بهذا الدعاء


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.