للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أكد هذا الإنكار بقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا}؛ أي: أعددنا وهيأنا {جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ} المعهودين {نُزُلًا} وهو ما يعد للنزيل والضيف؛ أي: أحضرنا جهنم للكافرين، كالنزل المعد للضيف، وفيه تهكم بهم، كقولهم: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والمعنى: إن جهنم معدة لهم عندنا، كما يعد النزاع للضيف؛ أي (١): إنا هيأنا لهؤلاء الكافرين جهنم عوضًا مما أعدوه لأنفسهم من الأولياء الذين اتخذوهم زادًا ليوم المعاد، والخلاصة: إنا أعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذخر عُدةً، هي جهنم وبئس المصير.

وقرأ أبو حيوة، وأبو عمرو بخلاف عنه {نزْلاً} بسكون الزاي وفي ذلك تهكم بهم، وتخطئة لهم في حسبانهم ذلك، وإيماء إلى أن لهم وراء جهنم ألوان أخرى من العذاب، وما جهنم إلا أنموذج منه.

وفي الآية (٢): إشارة إلى أن من ادعى محبة الله وولاءه، لا يتخذ من دون الله أولياء، أيًا كان، إذ لا يجتمع ولاية الحق وولاية الخلق، ومن كفر بنعمة الولاء واتخذ من دون الله أولياء، فله جهنم البعد والقطيعة أبدًا.

١٠٣ - ثم ذكر سبحانه ما فيه تنبيه إلى جهلهم فقال: {قُل} يا محمد لهؤلاء الذين يجادلونك بالباطل من أهل الكتابين، اليهود والنصارى، ومن المشركين {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} أيها الكفرة؛ أي: هل نخبركم أنا ومن تبعني من المؤمنين {بِالْأَخْسَرِينَ} في الآخرة {أَعْمَالًا} نصب على التمييز والجمع، للإيذان بتنوعها؛ أي: بالقوم الذين هم أشد الخلق وأعظمهم خسراناً فيما عملوا، قال في "الإرشاد" هذا بيان حال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الأعمال الحسنة في أنفسها، من صلة الرحم، وإطعام الفقراء، وعتق الرقاب ونحوها، وفي حسبانهم أيضًا حيث كانوا معجبين بها، واثقين بنيل ثوابها، ومشاهدة آثارها غِبَّ بيان حالهم باعتبار أعمالهم السيئة في أنفسها، مع كونها حسنة في حسبانهم. انتهى.

وقال في "البحر": والأخسر من أتعب نفسه بعمل فأدى تعبه به إلى النار،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.