للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَنْفُسِهِمْ} ومعرضيها للعذاب المخلد، باستمرارهم عل كفرهم واستكبارهم عن طاعة الملك الجبار، وتبديلهم فطرة الله تبديلًا وأي ظلم للنفس أشد من الكفر (١)، وقرأ حمزة والأعمش: {يتوفاهم} بالياء من أسفل في الموضعين، وقرىء بإدغام تاء المضارعة في التاء بعدها، وفي مصحف عبد الله بتاء واحدة في الموضعين، ذكره في "البحر".

ثم ذكر حالهم حينئذٍ من الخضوع والمذلة فقال: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} عطف على قوله تعالى: {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ} والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون الاستسلام والانقياد في الآخرة، حين عاينوا العذاب، ويتركون المشاقة والمخاصمة، وينزلون عما كانوا عليه في الدنيا من التكبر، والعلو وشدة الشكيمة قائلين: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ} في الدنيا {مِنْ سُوءٍ}؛ أي: من شرك، قالوا ذلك منكرين لصدوره عنهم قصدًا لتخليص نفوسهم من العذاب؛ أي: أسلموا (٢) وأقروا لله بالعبودية، حين عاينوا العذاب عند الموت، قائلين ما كنا نشرك بربنا أحدًا، وهم قد كذبوا على ربهم واعتصموا بالباطل رجاء النجاة، ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.

{بَلَى} رد عليهم من قبل الله تعالى، أو من قبل الملائكة، أو من قبل أولي العلم، وإثبات لما نفوه؛ أي: فتقول الملائكة بلى كنتم تعملون أعظم الشرك وأقبح الآثام و {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الشرك، فهو يجازيكم عليه، وهذا أوانه فلا يفيدكم إنكاركم وكذبكم على أنفسكم

٢٩ - والفاء في قوله: {فَادْخُلُوا} للتعقيب {أَبْوَابَ جَهَنَّمَ}؛ أي: كل صنف بابه المعدُّ له؛ أي: فادخلوا طبقات جهنم، وذوقوا ألوانًا من العذاب، بما دنستم به أنفسكم من الإشراك بربكم، واجتراحكم عظيم الموبقات والمعاصي، حالة كونكم {خَالِدِينَ فِيهَا} أبدًا إن (٣) أريد بالدخول حدوثه .. فالحال مقدرة، وإن أريد مطلق الكون فيها .. فمقارنة، والفاء في قوله {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} عن قبول


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.