كذلك في شريعتهم، أو لكون السجود أفضل الأركان، أو ليقترن {اركعي} بـ {الرَّاكِعِينَ}، وإنما قال:{وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، ولم يقل: مع الراكعات؛ لأن لفظ الراكعين أعم، فيدخل فيه الرجال والنساء، والصلاة مع الرجال أفضل وأنتم كما مر آنفًا. وقيل: معناه افعلي كفعل الراكعين.
٤٤ - {ذَلِكَ} المذكور من خبر حنة ومريم وزكريا ويحيى {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ}؛ أي: من أخبار ما غاب عنك يا محمَّد {نُوحِيهِ إِلَيْكَ}؛ أي: نلقي ذلك الغيب إليك يا محمَّد بواسطة جبريل الأمين، ونرسله إليك ليعلمكه، والمعنى: هذا الذي قصصناه عليك من أخبار مريم وزكريا من الأخبار التي لم تشهدها أنت ولا أحد من قومك، ولم تقرأها في كتاب، ولا علمكها معلم، بل هي وحي نوحيه إليك على يد الروح الأمين؛ لتكون دلالة على صحة نبوتك، وإلزامًا لمن يحاجك من الجاحدين المعاندين.
والوحي في القرآن لأحد معانٍ أربعة (١):
الأول: لكلام جبريل للأنبياء، كما قال تعالى:{نُوحِي إِلَيْهِمْ}.
والثاني: للإلهام، كما قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}.
والثالث: لإلقاء المعنى المراد في النفس، كما قال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)}.
والرابع: للإشارة، كما قال تعالى:{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.
فالوحي: تعريف الموحى إليه بأمر خفي من إشارة أو كناية أو غيرهما.
{وَمَا كُنتَ} يا محمَّد {لَدَيْهِمْ}؛ أي: حاضرًا عند الذين تنازعوا في تربية مريم {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ}؛ أي: حين يرمون في نهر الأردن أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركًا بها؛ ليعلموا جواب {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}؛ أي: ليعلموا جواب استفهام؛ أي: أحدهم يربي مريم ويقوم بمصالحها.