وروي عن أبي قلابة أنّه قرأ هذه الآية وقال: هي والله لكل مفتري إلى يوم القيامة أن يذله الله. وقال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وهو يجد فوق رأسه ذلة، ثم قرأ هذه الآية. قال: والمبتدع مفتر في دين الله، قال أبو حيان (١){وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}؛ أي: مثل ذلك النيل من الغضب والذلة، نجزي من افترى الكذب على الله، وأي افتراء أعظم من قولهم:{هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى}، والمفترون عام في كل مفتر، انتهى.
١٥٣ - {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ} من الكفر والمعاصي غيره {ثُمَّ تابُوا}؛ أي: رجعوا إلى الله تعالى {مِنْ بَعْدِها}؛ أي: من بعد عمل السيئات، بأن رجع الكافر عن كفره، والعاصي عن عصيانه {وَآمَنُوا}؛ أي: داموا واستمروا على إيمانهم، وزكوه بالعمل الصالح، أو تكون الواو حالية؛ أي: وقد آمنوا {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {مِنْ بَعْدِها}؛ أي: من بعد تلك التوبة المقرونة بالإيمان {لَغَفُورٌ} لهم؛ أي: لستار لذنوبهم وإن عظمت وكثرت {رَحِيمٌ} بهم؛ أي: منعم عليهم، مبالغ في إفاضة فنون الرحمة الدنيوية والأخروية عليهم؛ أي: من أتى بجميع السيئات ثم تاب .. فإن الله سبحانه وتعالى يغفرها له، وهذا من أعظم ما يفيد البشارة للمذنبين.
وينتظم في هذا المسلك متخذوا العجل وغيرهم من المجترحين للسيئات، عظمت ذنوبهم أو حقرت؛ لأنّ الذنوب وإن جلت وعظمت، فعفو الله وكرمه أعظم وأجل، على شريطة التوبة والإنابة، وبدونها الطمع فيه طمع في غير مطمع، ألا ترى أن طمع الفساق في المغفرة بدون الإنابة إلى ربهم قد ذهب بكثير من حرمة الأوامر والنواهي من قلوبهم، وجعلهم يستحلون كثيرا من المحرمات، وكانوا شرا ممن قال الله فيهم:{وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ولم يكن طمعهم ثمرة إيمان وعمل صالح، بل هي أماني جر إليها الحمق والغفلة عما يجب من تعظيم تلك الأوامر والنواهي:
إنّ الأماني والأحلام تضليل
١٥٤ - {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}؛ أي: زال وسكن عنه الغضب، باعتذار