للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد مالًا أو عزًّا أو سلطانًا أو يتم نقصًا فيه بما يظلم به غيره، ولما كان الله عز جل مستغنيًا عن ذلك، وله صفة الكمال أخبر أن له ما في السموات وما في الأرض، وأن جميع ما فيهما ملكه وأهلهما عبيده، وإذا كان كذلك يستحيل في حقه سبحانه وتعالى أن يظلم أحدًا من خلقه؛ لأنهم عبيده وفي قبضته، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ ولأن الظلم ينافي الحكمة، والكمال في النظام، وفي التشريع، {وَإِلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا إلى غيره {تُرْجَعُ الْأُمُورُ}؛ أي: إلى حكمه تصير أمور الخلائق، وشؤونها في الآخرة المؤمن، والكافر، والعاصي، والطائع، فيجازي الكل على قدر استحقاقهم، ولا يظلم أحدًا منهم فلا مفر منه، ولا محيص عنه. وقرىء {ترجع} بالبناء للفاعل، أو المفعول، وبالتاء المثناة من فوق على القراءتين.

١١٠ - {كُنْتُمْ} يا أمة محمَّد في سابق علمه تعالى {خَيْرَ أُمَّةٍ}؛ أي: أفضل أمة {أُخْرِجَتْ} وأظهرت بفضلها وشرفها {لِلنَّاسِ}؛ أي: عرف فضلها وشرفها للناس حتى تميزت عنهم بما فيها من الخصال الآتية، أو المعنى أخرجت، وأظهرت في عالم الوجود في الدنيا، لنفع الناس كما أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة في الآية قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإِسلام، وفي الآخرة بالشهادة للأنبياء على أممهم، وقال ابن عباس: أخرجت من مكة إلى المدينة، وقيل: اللام فيه بمعنى من، والمعنى: كنتم يا أمة محمَّد في سابق علمي خير أمة أخرجت: أي: اختيرت من الناس لنفعها لهم في الدنيا والآخرة.

ثم بين وجه خيريتها بقوله: {تَأْمُرُونَ} الناس {بِالْمَعْرُوفِ}، أي: بالتوحيد واتباع محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {وَتَنْهَوْنَ} الناس {عَنِ الْمُنْكَرِ}؛ أي: عن الشرك ومخالفة الرسول محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}؛ أي: وتصدقون بالله وتخلصون له التوحيد والعبادة، أو المعنى تؤمنون بالله إيمانًا متعلقًا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول، وكتاب، وحساب، وجزاء، وغير ذلك. وقال قتادة: هم أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر نبي قبله بالقتال؛ فهم يقاتلون الكفار، فيدخلونهم في الإسلام فهم خير أمة أخرجت للناس.