في سعادة الدنيا، ويشارك المؤمنين في المادي منها الكفار، وكما قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ}؛ أي: إنّ ذلك الفتح كان ابتلاء واختبارا لحالهم، وكان من أثره فيهم البطر والأشر، بدلا من الشكر لمولي النعم، فكان نقمة لا نعمة، وفتنة لا بركة، ولكن المؤمنين إذا فتح الله عليهم .. كان أثره فيهم شكر الله تعالى عليه، والاغتباط بفضله، واستعماله في سبيل الخير دون الشر، وفي الإصلاح دون الإفساد، وكان جزاؤهم على ذلك زيادة النعم في الدنيا، وحسن الثواب عليها في الآخرة.
{وَلكِنْ كَذَّبُوا} بالأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا {فَأَخَذْناهُمْ} بالعذاب والجدوبة {بـ} سبب {ما كانوا يكسبون} من الذنوب والمعاصي الموجبة لعذابهم، أو بسبب كسبهم الذنوب.
أي: ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتقوا، بل كذبوا، فأخذناهم بما كانوا يعملون من أعمال الشرك والمعاصي التي تفسد نظم المجتمع البشري، وذلك الأخذ بالشدة أثر لازم لكسبهم المعاصي، بحسب السنن التي وضعها المولى في الكون، ويكون فيه العبرة لأمثالهم، إن كانوا يعقلون هذه النواميس العامة، التي لا تبديل فيها ولا تغيير.
٩٧ - ثم عجب من حالهم وذكر من غفلتهم فقال:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ والتقريع، والهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير: أجهل أهل مكة وغيرهم من أهل القرى الذين بلغتهم الدعوة والذين ستبلغهم ما نزل بمن قبلهم، وغرهم ما هم فيه من نعمة فأمنوا؟ {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا}؛ أي: عذابنا {بَياتًا}؛ أي: ليلا {وَهُمْ نائِمُونَ}؛ أي: والحال أنهم غافلون عن ذلك، فلا ينبغي لهم أن يأمنوا ذلك،
٩٨ - والهمزة في قوله:{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} للاستفهام الإنكاري التوبيخي أيضا، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أجهلوا ذلك وأمنوا؟ {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا}؛ أي: عذابنا {ضُحًى}؛ أي: نهارا {وَهُمْ يَلْعَبُونَ}؛ أي: والحال أنّهم يشتغلون بما لا ينفهم؛ أي: والحال أنّهم مشتغلون باللعب،