الحمد لله الذي أنزل القرآن موعظةً وشفاءً لما في الصدور، وجعله منهلًا عذبًا للورود والصدور، جمع فيه علوم الأولين والآخرين، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، والصلاة والسلام على من أوحي إليه ذلك القرآن، من لوح الوجوب والأمر والشأن، سيدنا محمد الذي فسر الآيات في الأنفس والآفاق، على مراد الله الملك الخلاق، وعلى آله وصحبه المقتبسين من مشكاة أنواره، المغترفين من بحار أسراره، ومن تبعهم ممن تخلّق بالقرآن في كل زمان، ما تطاول المدى وطلع المرزمان.
أما بعد: فإني لما فرغت من تفسير الجزء الرابع عشر من القرآن بعون الله وتوفيقه .. أردت الشّروع في تفسير الجزء الخامس عشر منه، مستمدًا منه التيسير والتوفيق؛ لأقوم الطريق فقلت.
[سورة الإسراء]
سورة الإسراء - وتسمى سورة بني إسرائيل، وسورة سبحان -: مكية، إلّا ثماني آيات، من قوله سبحانه:{وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ} إلى قوله: {سُلْطانًا نَصِيرًا} فتلك الآيات الثمانية مدنية. وهذا (١) قول قتادة. وقال مقاتل: فيها من المدني قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآية، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ}، وقوله:{إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ}، وقوله:{وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ}، وقوله:{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ} والتي تليها.