للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي (١): وإن كان العمل الذي فعلته النفس صغيرًا، مقدار حبة الخردل جازينا عليه جزاءً وفاقًا، سيئًا كان أو حسنًا {وَكَفَى بِنَا} حالة كوننا {حَاسِبِينَ}؛ أي: محصين وعادّين لأعمال عبادنا. والحسب في الأصل، معناه: العدّ؛ لأنه من حسب المال إذا عدّه. وقيل: كفى بنا عالمين؛ لأنه من حسب شيئًا علمه وحفظه. وقيل: كفى بنا مجازين على ما قدّموه من خير أو شر، إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا. والباء زائدة، و {نا} فاعل، و {حَاسِبِينَ} حال منه. والمعنى أي: وحسب من شهدوا ذلك الموقف بنا حاسبين لأعمالهم، محصين لها؛ لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم، وما سلف منهم في الدنيا، من صالح أو سيء منها. ولا يخفى ما في الآية من التحذير وشديد الوعيد للكافرين، على ما فرطوا في جنب الله، فإن المحاسب إذا كان عليمًا بكل شيء، ولا يعجز عن شيء .. كان جديرًا بالعاقل أن يكون في حذر وخوف منه.

وقرأ الجمهور (٢): {مِثْقَالَ} بالنصب، خبر {كَانَ}. وقرأ زيد بن علي وأبو جعفر وشيبة ونافع: {مثقالُ} بالرفع إلى الفاعلية، و {كَانَ} تامة. وقرأ الجمهور: {أَتَيْنَا} بالقصر، من الإتيان؛ أي: جئنا بها. وقرأ أبي {جِئْنا} كأنه تفسيرٌ لـ {أَتَيْنَا}. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير وابن أبي إسحاق والعلاء بن سَيابة وجعفر بن محمد وابن شريح الأصبهاني {آتينا} بمدة على وزن "فاعلنا" من المواتاة، وهي المجازاة والمكافأة، فمعناه: جازينا بها، ولذلك تعدى بحرف الجر، ولو كان على (أَفْعلنا) من الإيتاء بالمد، على ما توهمه بعضهم لتعدَّى مطلقًا دون جار، قاله أبو الفضل الرازي.

٤٨ - {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) أي: وعزتي جلالي لقد أعطينا موسى وأخاه هارون الفرقان؛ أي: كتابًا (٣) جامعا بين كونه


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.