للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنفسهم، لا بانتفاعهم بصلاح غيرهم، أو شفاعة الشافعين لهم، كما هو حال المشركين الذين جهلوا أن مدار السعادة في الدنيا والآخرة مرتبط بتزكية النفس وطهارتها بالإيمان الصحيح، والأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة، لا على أمر خارج عن النفس لا تأثير له فيها.

والآية بمعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}.

٥٢ - ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش في شأن المؤمنين المستضعفين، فقال: {وَلَا تَطْرُدِ}؛ أي: ولا تبعد يا محمد عن حضرتك هؤلاء المؤمنين الموحدين، {الَّذِينَ يَدْعُونَ} ويعبدون {رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}؛ أي: أول النهار وآخره، أو المراد: عامة الأوقات، إذ يقال: هو يفعل كذا صباحًا ومساء إذا كان مداومًا عليه، والدعاء إما العبادة مطلقًا، وقيل: المحافظة على صلاة الجماعة، وقيل: الذكر وقراءة القرآن، وقيل: المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر. والمعنى: ولا تطرد يا محمد الذين يعبدون ربهم بالصلوات الخمس، أو يذكرون ربهم طرفي النهار حالة كونهم {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}؛ أي: يقصدون بذلك محبة الله تعالى ورضاه؛ أي: مخلصين في ذلك، وقيد الدعاء بالإخلاص تنبيهًا على أنه ملاك الأمر.

وقال أبو حيان: معنى {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}: يخلصون نياتهم له في عبادتهم، ويعبر عن ذات الشيء وحقيقته بالوجه انتهى. والمذهب الأسلم الذي عليه السلف: ترك الوجه على ظاهره بلا تأويل؛ لأن الوجه صفة ثابتة لله تعالى نعتقدها ونثبتها لله تعالى بلا تكيف ولا تمثيل ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير}.

وقرأ الجمهور (١): {بالغداوة}، وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن ومالك بن


(١) البحر المحيط.