للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخبر المستأنف؛ وهو بيان لتلك الفاحشة. وقرأ ابن كثير بهمزتين بدون ألف بينهما وبتسهيل الثانية، وأبو عمرو كذلك لكنه أدخل الألف بينهما، وهشام بتحقيق الهمزتين بينهما مد، والباقون بتحقيقهما من غير مد بينهما على الأصل.

و {بَلْ} في قوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} للإضراب الانتقالي من قصة إلى قصة؛ أي: بل أنتم قوم مجاوزون الحلال إلى الحرام؛ أي: إنكم لا تأتون هذه الفاحشة، ثم تندمون على ما فعلتم، بل أنتم قوم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم، ولا تقفون فيها عند حد الاعتدال، وقد جاء في سورة النمل: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}؛ أي: أنتم ذو سفه وطيش، وفي سورة العنكبوت: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} وفي كل هذا دليل على أنهم كانوا مسرفين في لذاتهم متعدين حدود العقل والفطرة، لا يعقلون ضرر ما يفعلون بجنايتهم على النسل والصحة والآداب العامة، فهم لو عقلوا ذلك .. لاجتنبوها، ولو كان لديهم شيء من الفضيلة .. لانصرفوا عنها. وقال هنا (١): {مُسْرِفُونَ} بصيغة اسم الفاعل؛ ليدل على الثبوت، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء. وقال في النمل: {تَجْهَلُونَ} بالمضارع لتجدد الجهل فيهم، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.

٨٢ - {وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا}؛ أي: ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الأشياء في المرة الأخيرة من مرات المحاورة بينه وبينهم إلا قولهم لبعضهم الآخرين المباشرين لتلك الأمور معرضين عن مخاطبة لوط عليه السلام {أَخْرِجُوهُمْ}؛ أي: أخرجوا لوطا وابنتيه زعورا ورييشا {مِنْ قَرْيَتِكُمْ} سذوم - بوزن رسول بالذال المعجمة - من قرى حمص بالشام {إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ}؛ أي: أي يتنزهون من أدبار الرجال، قالوا ذلك على سبيل السخرية بلوط وأهله، وعلى سبيل الافتخار بما هم فيه. وأتى هنا بقوله: {وَما} وفي النمل والعنكبوت بقوله: {فَما} والفاء هي الأصل في هذا الباب؛ لأن المراد أنهم لم يتأخر جوابهم عن نصحته، وأما الواو فالتعقيب أحد محاملها، فتعين هنا أنها للتعقيب


(١) البحر المحيط.