وعدم تأنيث الرميم، مع وقوعه خبرًا للمؤنثة، حيث لم يقل: وهي رميمة، لأنه اسم لما بلي من العظام، غير صفة كالرفات والرمة. والأولى: أن يقال: إنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، كما قيل في جريح وقتيل.
ومعنى الآية:{وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ}؛ أي: وذكر أمرًا عجيبًا ينفي به قدرتنا على إحياء الخلق، فـ {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ونسي خلقنا له، أفلم يكن نطفة فجعلناه خلقًا سويًا ناطقًا. ولا شك أن من فعل ذلك، لا يعجزه أن يعيد الأموات أحياءً، والعظام الرميم بشرًا كهيئتهم التي كانوا عليها قبل الفناء.
وإجمال ذلك: أن بعض المشركين استبعدوا إعادة الله، ذي القدرة العظيمة، التي خلقت السموات والأرض، للأجساد والعظام الرميم، ونسوا أنفسهم، وأنه تعالى خلقهم من العدم، فكيف هم بعد هذا، يستبعدون أو يجحدون.
ونحو الآية، حكايةً عن المشركين قوله:{وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، وقوله أيضًا، على طريق الحكاية: {قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢)} {أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ}.
٧٩ - ثم أمر الله سبحانه، نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن يجيبهم عن استبعادهم ويبكتهم بتذكيرهم بما نسوه من حقيقة أمرهم، وخلقهم من العدم، فقال:{قُلْ} يا محمد، تبكيتًا لذلك الإنسان، المنكر للبعث، بتذكير ما نسيه من الفطرة، الدالة على حقيقة الحال. {يُحْيِيهَا}؛ أي: يحيي تلك العظام الخالق {الَّذِي أَنْشَأَها}؛ أي: خلقها وأوجدها {أَوَّلَ مَرَّةٍ}؛ أي: في أول مرة ولم تكن شيئًا، ومن قدر على النشأة الأولى، قدر على النشأة الثانية. فإن قدرته كما هي لاستحالة التغير فيها، والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها. وهو من النصوص القاطعة، الناطقة بحشر الأجساد، استدلالًا بالابتداء على الإعادة. وفيه رد على من لم يقل به، وتكذيب له.