وقال في "روح البيان": لعل الوجه في الختم به: أن إدراك ما ذكر، ليس مما يختص بخواص أهل التفكر، وهم العلماء، بل يدركه من له أدنى شيء من التفكر، والتفكر دون التذكر، ولذا لم يذكر التذكر في القرآن، إلا مع أولي الألباب. انتهى.
وحاصل معنى الآيتين (١): أي ومن حججه الدالة على أنه القادر على ما يشاء، من إنشاء وإفناء وإيجاد وإعدام، أن خلقكم من تراب بتغذيتكم، إما بلحوم الحيوان وألبانها وأسمانها، وإما من النبات، والحيوان غذاؤه النبات، والنبات من التراب، فإن النواة لا تصير شجرة إلا بالتراب الذي ينضم إليه أجزاء مائية، تجعلها صالحة للتغذية، ثم بعد إخراجكم منه إذا أنتم بشر تنتشرون في الأرض، تتصرفون فيها في أغراضكم المختلفة، وأسفاركم البعيدة، تكدحون وتجدون لتحصيل أرزاقكم من فيض ربكم، وواسع نعمه عليكم.
ومن آياته الدالة على البعث والإعادة: أن خلق لكم أزواجًا من جنسكم، لتأنسوا بها، وجعل بينكم المودة، والرحمة، لتدوم الحياة المنزلية على أتمّ نظام، إن فيما ذكر من خلقكم من تراب، وخلق أزواجكم من أنفسكم، وإبقاء المودة والرحمة، لعبرةً لمن تأمل في تضاعيف تلك الأفعال المبنية على الحكم والمصالح، فهي لم تخلق عبثًا، بل خلقت لأغراضٍ شتى، تحتاج إلى الفكر، حتى يصل إلى معرفتها ذوو الذهن والعقل الراجح.
٢٢ - {وَمِنْ آيَاتِهِ} ودلائل وجوده وبراهين قدرته على البعث والنشور {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} على عظمهما وكثافتهما، وكثرة أجزائهما بلا مادة، فهو أظهر قدرة على إعادة ما كان حيًا قبل ذلك؛ أي: خلقه السماوات المزدانة بالكواكب، والنجوم الثوابت، والسيارة المرتفعة السموات الواسعة الأرجاء وخلق الأرض ذات الجبال والوديان، والبحار والقفار، والحيوان والأشجار، فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة، التي هي أجرام السماوات والأرض، وجعلها باقيةً مادامت هذه