للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأول هو الأوفق بقوله: {لِتَسْكُنُوا} وتميلوا {إِلَيْهَا}؛ أي: إلى تلك الأزواج، وتألفوا بها، فإن المجانسة من دواعي التضام، والتعارف التآنس، كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر، ولا يميل قلبه إليه، وهذه الحكمة في بعث الرسل من جنس بني آدم.

وقد ذهب بعض العلماء من الفقهاء وغيرهم، إلى جواز المناكحة والعلوق بين الجن والإنس، فقد جعل الله سبحانه أزواجًا من غير الجنس.

والجواب: إن ذلك من النوادر، فلا يعتبر، وليس السكون إلى الجنية كالسكون إلى الإنسية، وإن كانت متمثلة في صورة الإنس.

{وَجَعَلَ} سبحانه {بَيْنَكُمْ} وبين أزواجكم من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة، أو رابطة قرابة ورحم {مَوَدَّةً}؛ أي: محبة {وَرَحْمَةً}؛ أي: شفقة؛ أي: تواددًا وتراحمًا، بسبب عصمة النكاح، يعطف به بعضكم على بعض، من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة، فضلًا عن مودةٍ ورحمةٍ، وقال (١) مجاهد والحسن، وعكرمة: المودة (٢) النكاح، والرحمة الولد، كنى بذلك عنهما، وقيل: مودةً للشابة، ورحمةً للعجوز، وقيل: مودة للكبير، ورحمةً للصغير، قاله ابن عباس، وقيل: هما اشتباك الرحم، وقيل: المودة من الرحمن، والبغض من الشيطان.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن فيما ذكر من خلقهم من تراب، وخلق أزواجهم من أنفسهم، وإلقاء المودة والرحمة بينهم {لَآيَاتٍ} عظيمةً، ودلائل باهرة على عظمة الله سبحانه، وقدرته على البعث والنشور، {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ويتأملون في صنع الله وفعله، فيعلمون ما في ذلك من الحكم والمصالح؛ لأنهم الذين يقتدرون على الاستدلال، لكون التفكر مادةً له يتحصل عنه، وأما الغافلون عن التفكر فما هم إلا كالأنعام.

قال في "برهان القرآن": ختم الآية بقوله: {يَتَفَكَّرُونَ} لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المذكورة، من التوانس والتجانس بين الأشياء، كالزوجين،


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.