للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد يطرأ ما يغيِّرها ويستدعي وضع تشريع آخر، يكون أصلح للأحوال المفاجئة، والمشاهدة تدل على صدق هذا فإنا نرى القوانين الوضعية تغير آنًا بعد آن، إذا جد ما يستدعي ذلك.

١٠٢ - ثم بين لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ، الزاعمين أن ذلك لم يكن من عند الله، وأن رسوله - صلى الله عليه وسلم - قد افتراه فقال: {قُل} لهم يا محمَّد {نَزَّلَهُ}؛ أي: نزل هذا القرآن المدلول عليه بذكر آية، وفي {ينزل} (١) و {نزَّل} تنبيه على أن إنزاله كان مدرجًا بحسب الوقائع {رُوحُ الْقُدُسِ}؛ أي: الروح المطهر من الأدناس البشرية، وهو جبريل - عليه السلام -، فهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كحاتم الجود، وطلحة الخير، وقرأ ابن كثير: {نزله روح القدس} بالتخفيف كما في "البيضاوي"، {مِنْ رَبِّكَ}؛ أي: ابتداء تنزيله من عنده سبحانه و {بِالْحَقِّ} في موضع الحال؛ أي: نزله حالة كونه متلبسًا بكونه حقًّا ثابتًا موافقًا للحكمة البالغة المقتضية له، بحيث لا يفارقها إنشاء ونسخا وفيه دلالة على أن النسخ حق.

{لِيُثَبِّتَ} الله سبحانه وتعالى، أو (٢) جبريل مجازًا {الَّذِينَ آمَنُوا} على الإيمان، بأن القرآن كلام الله، فإنهم إذا سمعوا الناسخ، وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح اللائقة بالحال .. رسخت عقائدهم، واطمأنت قلوبهم، على أن الله تعالى حكيم، فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب {وَهُدًى} من الضلالة {وَبُشْرَى} بالجنة {لِلْمُسْلِمِينَ} المنقادين لحكمه تعالى، وهما معطوفان على محل {لِيُثَبِّتَ} فهما منصوبان باعتبار لفظه المقدّر عليه الإعراب، ومجروران باعتبار المصدر المؤول، والتقدير: تثبيتًا لهم وهداية وبشارة، أو لتثبيت الذين آمنوا وهدايتهم وبشارتهم، وفيه تعريض بحصول أضداد الأمور المذكورة لمن سواهم من الكفار، وقرىء (٣): {لِيُثَبِّتَ} مخففًا من أثبت الرباعي.


(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.