أي: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكمًا آخر {قَالُوا}؛ أي: الكفار من أهل مكة للنبي - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّمَا أَنْتَ} يا محمَّد {مُفْتَرٍ}؛ أي: مختلقٌ من عند نفسك، كاذب على الله، متقول عليه بما لم يقل، حيث تزعم أنه أمرك بشيء، ثم تزعم أنه أمرك بخلافه، فرد الله سبحانه عليهم بما يفيد جهلهم فقال:{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} شيئًا من العلم أصلًا، أو لا يعلمون بالحكمة في النسخ، فإنه مبني على المصالح التي يعلمها الله سبحانه، فقد يكون في شرع هذا الشيء مصلحةٌ مؤقتة بوقتٍ، ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت في شرع غيره، ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة لعرفوا أن ذلك وجه الصواب، ومنهج العدل والرفق واللطف، وأقلهم يعلم الحكمة في النسخ، ولكن ينكر عنادًا، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إذا نزلت آية فيها شدة، ثم نزلت آية ألين منها .. تقول كفار قريش: والله ما محمَّد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمر بأمر، وغدًا ينهى عنه، وأنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومعنى الآية: أي (١) وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم آية أخرى - والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل من أحكامه - قال المشركون المكذبون لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما أنت يا محمَّد متقوِّل على الله، تأمر بشيء، ثم تنهى عنه، وأكثرهم لا يعلمون ما في التبديل من حكم بالغة، وقليل منهم يعلمون ذلك وينكرون الفائدة عنادًا واستكبارًا.
وفي قوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} توبيخ لهم، وإيماءٌ إلى أن التبديل لم يكن عن الهوى، بل كان لحكمة اقتضته ودعت إليه من تغير الأحوال والأزمان، ألا ترى أن الطبيب يأمر المريض بدواء بعينه ثم إذا أعاده مرةً أخرى .. نهاه عن ذلك الدواء، وأمره بضده، أو بما لا يقرب منه بحسب ما يرى من حال المريض.
وهكذا الشرائع إنما توضع مشاكلة للزمان والمكان، والأحوال الملابسة،