بثم، المفيدة للتراخي والمهلة، في قوله: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)}، ولما ذهب بهم من منازلهم، التي أسكنوها في النار، إلى شجرة الزقوم للأكل والتملؤ منها، والسقي من الحميم، وتراخي رجوعهم إلى منازلهم، أتى بـ {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)} للدلالة على ذلك؛ لأن الرجوع يدل على الانتقال في وقت الأكل والشرب إلى مكان غير مكانهما.
وحاصل معنى قوله تعالى:{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها} إلى آخر الآيات الثلاث؛ أي: فإنهم (١) ليأكلون من ثمرها، فيملؤون بطونهم منه، وإن كانوا يعرفون مرارة طعمه، ونهاية نتنه، وبشاعة رائحته، ولكن ماذا يعملون، وقد غلب عليهم الجوع، والمضطر يركب الصعب والذلول، ويستروح من الضر بما يقاربه فيه، وبعد أن وصف طعامهم وبيّن شناعته، أردفه ذكر شرابهم ووصفه بما هو أبشع وأشنع، فقال: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)}؛ أي: ثم إنهم بعد أن يشبعوا ويغلبهم العطش، يستغيثون منه، فيغاثون بماء كالمهل، قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم، شوى لحوم وجوههم، وإذا شربوه قطع أمعاءهم، ثم ذكر أنهم بعد هذا وذاك، لا مأوى لهم إلا نار جهنم، وبئس المصير، فقال: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)}؛ أي: ثم إن مصيرهم بعد المأكل والمشرب لإلى نار تتأجج، وجحيم تتوقد، وسعير تتوهج، فهم تارة في هذه، وتارة في تلك.
والخلاصة: أنهم يؤخذون من منازلهم في الجحيم، وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم، فيأكلون إلى أن تمتلىء بطونهم، ثم يسقون الحميم، ثم يرجعون إلى تلك الدركات.
٦٩ - ثم علل استحاققهم للوقوع، في تلك الشدائد، بتقليد الآباء في الدين بلا دليل يستمسكون به، فقال: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩)}؛ أي: وإنما استحقوا هذا العذاب الشديد؛ أي: لأنهم أي: لأن أصحاب الزقوم وجدوا آباءهم ضالين،