للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من القصص. ذكره أبو السعود. ولما كانت هذه القصة معطوفة على قصة نوح، وقد علموا ما حل بهم من الغرق .. حسن قوله هنا: {أَفَلا تَتَّقُونَ} يعني: أفلا تخافون ما نزل بهم من العذاب، ولما لم يكن قبل واقعة قوم نوح شيء .. حسن تخويفهم من العذاب، فقال هناك: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.

٦٦ - {قالَ الْمَلَأُ} والرؤساء {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}؛ أي: من قوم هود، وجحدوا توحيد الله، وأنكروا رسالة هود إليهم، وإنما وصف (١) الملأ هنا بالكفر دون ملأ قوم نوح؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، فممن آمن منهم مرثد بن أسعد أسلم وكان ممن يكتم إيمانه، بخلاف الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على ذلك الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا في أول دعائه إياهم إلى الإيمان {إِنَّا لَنَراكَ} يا هود {فِي سَفاهَةٍ} وحماقة وجهالة وقلة عقل؛ أي: إنا لنتيقن كونك يا هود متمكنا ومتعمقا في سفاهة وخفة عقل عن الحق، والصواب حيث فارقت ديننا، وتركت عبادة آلهتنا الذي اتخذت لهم الأمة الصور والتماثيل تخليدا لذكراهم، والتقرب بشفاعتهم إلى ربنا وربهم، وإنما (٢) أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه السلام أنهم قالوا له: في ضلال مبين، وعن قوم هود أنهم قالوا له: في سفاهة، لأن نوحا لما خوف قومه بالطوفان، وشرع في عمل السفينة، فعند ذلك قالوا له: {إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} حتى تتعب نفسك في إصلاح سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء، وأما هود عليه السلام، فإنه لما نهاهم عن عبادة الأصنام التي سموها صمدا وصمودا، ونسب من عبدها إلى السفه، وهو قلة العقل .. قابلوه بمثل ما نسبهم إليه، فقالوا له: {إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ}. اه «خازن».

{وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ} يا هود {مِنَ الْكاذِبِينَ} في ادعائك أنك رسول من عند الله تعالى، وفي قولهم هذا إيماء إلى تكذيبهم كل رسول؛ إذ هم قد عبروا عن


(١) المراح.
(٢) الخازن.