للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان بين هود ونوح ثمان مئة سنة (١)، وعاش هود أربع مئة سنة وأربعا وستين سنة. وإنما (٢) صرح هنا وفيما سيأتي في صالح وشعيب بتعيين المرسل إليهم دون ما سبق في نوح وما سيأتي في لوط؛ لأن المرسل إليهم إذا كان لهم اسم قد اشتهروا به ذكروا به، وإلا فلا، وقد امتازت عاد وثمود ومدين بأسماء مشهورة.

وإنما جعل رسول كل قوم منهم (٣)؛ لأنهم أفهم لقوله، وأعرف بحاله، وأرغب في اتباعه؛ لمعرفتهم شمائله وأخلاقه {قالَ} هود لهم {يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}؛ أي: أفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ولا تجعلوا معه إلها غيره؛ لأنه {ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ}؛ أي: ليس لكم إله غيره تعالى يستحق العبادة منكم، لأنه هو الخالق لكم المدبر لأموركم.

والحكمة في قوله هنا (٤): {قالَ}: بدون الفاء، وفي قصة نوح: {فَقالَ} بالفاء أن نوحا كان مواظبا على دعوة قومه غير متوان فيها على ما حكي عنه في سورة نوح من قوله تعالى: {قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥)} فناسبه التعقيب بالفاء، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء، والهمزة في قوله: {أَفَلا تَتَّقُونَ} للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتركتم التفكر في مصنوعات الله وما فعله بقوم نوح عليه السلام، فلا تتقون، ولا تخافون عقابه بعبادتكم غيره، واقترافكم الشرك والمعاصي، وهذا استبعاد وإنكار لعدم اتقائهم العذاب بعد ما علموا ما حل بقوم نوح. وإنما قال هنا (٥): {أَفَلا تَتَّقُونَ} وفي سورة هود: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} لعله خاطبهم بكل منهما، وقد اكتفى بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر، كما لم يذكر هنا ما ذكر هناك من قوله:


(١) التحبير للسيوطي.
(٢) أبو السعود.
(٣) البيضاوي.
(٤) الخازن.
(٥) الفتوحات.