للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣ - هلاك من غرق من قوم فرعون، وحرمان البلاد وسائر الأمة من ثمرات أعمالهم في العمران، وقد أنذرهم موسى عاقبة ذلك، فكذبوا بالآيات وأصروا على الجمود والعناد، فظلموا أنفسهم وما ظلمهم الله تعالى.

ووجه العبرة في هذه الآيات ما كان للإيمان في قلب موسى وهارون من التأثير، إذ تصديا لأكبر ملك، في أكبر دولة في الأرض استعبدت قومه في خدمتها عدة قرون، وما زالا يكافحانه بالحجج والآيات حتى أظفرهما الله تعالى به، وأنقذا قومهما من ظلمه، ولهذا يحذر ألا تستعظم قوة الدول الظالمة أمام قوة الحق كما قال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} وقال: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.

وهذا (١) آخر ما قص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط، وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعارضته، ثم أتبعه اقتصاص نبأ بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون واستعباده، ومعاينتهم الآيات العظام، ومجاوزتهم البحر من عبادة البقر، وطلب رؤية الله جهرة، وغير ذلك من أنواع الكفر والمعاصي، ليعلم حال الإنسان، وأنّه كما وصف: ظلوم كفار، جهول كفور إلا من عصمه الله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}. وليسلي رسول الله صلى الله عليه وسلّم مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة.

١٣٨ - {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ} وهذا (٢) شروع في قصة بني إسرائيل، وشرح ما أحدثوه من الأمور الشنيعة، بعد أن أنقذهم الله من مهلكة فرعون، والمقصود من سياقها تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتنبيه المؤمنين، حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم.

أي: عبرنا بهم {الْبَحْرَ} بالسلامة، بأن فلق الله تعالى البحر عند ضرب موسى البحر بالعصا؛ أي: إنّهم تجاوزوه وخرجوا منه بعناية الله تعالى وتأييده وحفظه، حتى كانوا من الشط الغربي إلى الشط الشرقي، والبحر بحر القلزم طرف من بحر فارس، كما في النهر، وهو عند خليج السويس الآن، وروي (٣) أنه عبر


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٣) البحر المحيط.