للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اقتضته الحكمة الإلهية، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

والمعنى: أي (١) ولو شاء الله سبحانه وتعالى لجعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة، ولم يجعل لهم اختيارًا فيما يفعلون، فكانوا في حياتهم الاجتماعية أشبه بالنمل والنحل، وفي حياتهم الروحية أشبه بالملائكة، مفطورين على طاعة الله، واعتقاد الحق، وعدم الميل إلى الزِّيغ والجور، لكنه تعالى خلقهم كاسبين لا ملهمين، وعاملين بالاختيار لا مفطورين، وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وكسب العلم، فللإنسان اختيار أوتيه بحسب استعداده الأزلي، وهو مجبور فيه، والثواب والعقاب يترتبان على هذا الاختيار، الذي يشاهد، وتكون عاقبته الجنة أو النار.

{و} عزتي وجلالي {لتسألن} جميعا أيها الناس يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة، لا سؤال استفهام واستفسار {عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الوفاء والنقض ونحوهما، فتجزون به، فيجازى المحسن بإحسانه، ويعقاب المسيء بإساءته، أو يغفر له،

٩٤ - ثم لما نهاهم (٢) سبحانه عن نقض مطلق الأيمان. نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة، فقال: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ}؛ أي: ولا تجعلوا أيمانكم أيها المؤمنون {دَخَلًا}؛ أي: مكرًا وخديعة وغدرًا {بَيْنَكُمْ} فتغروا بها الناس، فيسكنوا إلى أيمانكم ويأمنوا إليكم، ثم تنقضونها، وإنما كرر (٣) هذا المعنى تأكيدًا عليهم، وإظهارًا لعظم أمر نقض العهد.

قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام، نهاهم عن نقض عهده، لأن الوعيد الذي بعده، وهو قوله سبحانه وتعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} لا يليق بنقض عهد غيره، إنما يليق بنقض عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان به وبشريعته {فَتَزِلَّ} نصب في جواب النهي؛ أي: فتسقط {قَدَمٌ}؛ أي: أقدامكم أيها المؤمنون عن محجة الحق {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} عليها، ورسوخها فيها بالإيمان، وإفراد (٤) القدم وتنكيرها للإيذان بأن زلل قدم واحدة أي قدم كانت


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.