للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هو أكثر مالًا، وأحسن حالًا منه. {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}؛ أي: بطر بوزن فرح، اسم فاعل؛ أي: ليس الأمر كذلك, بل هو كذا، وكذا حمله بطره على الترفع علينا بما ادعاه.

وقرأ الجمهور (١): {أَشِرٌ} بوزن فرح بكسر العين، اسم فاعل. وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر، وقتادة {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} بلام التعريف فيهما، وبفتح الشين وتشديد الراء، على أنه أفعل تفضيل، وإتمام خير وشر في أفعل التفضيل قليل. ونقل الكسائي عن مجاهد: أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة.

والمعنى: أي أأنزل عليه الوحي من بيننا، وأوتي النبوة، وهو واحد منّا, ولم اختصه الله سبحانه بإنزال الشرائع عليه. وهو ليس بملك مكرم، والحق إنه لكذاب متجبر، يريد أن تكون له السيطرة والسلطان علينا، ويود أن يكون الرئيس المطاع، وما ذاك إلا بما زينته له نفسه، وأغواه به الشيطان، ولا يستند إلى وحي سماويّ ولا أمر إلهيّ.

٢٦ - ثم حكى سبحانه ما قاله لصالح وعدًا له، ووعيدًا لقومه فقال: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا}؛ أي: عن قريب حين يحل بهم الهلاك الدنيوي {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}؛ أي: البَطِرُ الذي حَملَه بطره على ما فَعَل، أصالحٌ في دعواه الرسالةَ من ربه، وأنه أمره بالتبليغِ لهدايةِ قومهِ إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، أم هم في تكذيبهم إياه، ودعواهم عليه الاختلاقَ والكذبَ.

وقصارى ذلك: سيتبين لهم أنهم هم الكذّابون الأشرون. والسين (٢) لتقريب مضمون الجملة، وتأكيده. والغد اليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه. والمراد به: وقت نزول العذاب في الزمان المستقبل، لا يوم بعينه، ولا يوم القيامة؛ لأن قوله: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} استئناف لبيان مبادي الموعود حتمًا.

والمعنى: سيعلمون ألبتة عن قريب من الكذاب الأشر الذي حمله أشره وبطره على الترفع والتجبر أصالح أم من كذبه. وفيه تشريف لصالح، حيث إن الله تعالى سلب عنه بنفسه الوصف الذي أسندوه إليه من الكذب والأشر. فإنَّ معناه: لست أنت بكذاب أشر، بل هم.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.