للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يختص بالبصر، وأكثر الناس عميان بصيرة القلب، لا يبصرون به أمر دينهم. والمعنى (١): إن عمى القلب، هو الضار في أمر الدين، لا عمى البصر؛ لأن البصر الظاهر بُلْغَةٌ ومُتْعَةٌ، وبصر القلوب، هو البصر النافع. ومعنى الآية أي: أفلم يسر (٢) هؤلاء المكذبون بآيات الله، الجاحدون لقدرته في البلاد، فينظروا إلى مصارع أضرابهم، من مكذبي رسل الله، الذين خلوا من قبلهم، كعاد، وثمود، وقوم لوط، وشعيب، ويروا أوطانهم، ومساكنهم، ويسمعوا بآذانهم أخبارهم، فيتفكروا، ويعتبروا بها، ويعلموا أمرها، وأمر أهلها، وكيف نابتهم النوائب، وغالتهم غوائل الدهر فيكون في ذلك معتبر لهم لو أرادوا، فينيبوا إلى ربهم، ويعقلوا حججه التي بثها في الآفاق، ثم أظهر اليأس من إيمانهم؛ لأن القلوب قد عميت فلا تبصر الدلائل الكونية، ولا البراهين العقلية، فقال: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}؛ أي: إن أبصارهم وإن كانت سالمة لا عمى بها، فقد أصابهم عمى القلوب. والعمدة على الثاني، لا على الأول، فعمى الأبصار ليس بشيء، إذا قيس بعمى القلوب، والبصائر. وفي هذا تهويل أيما تهويل.

٤٧ - {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ}؛ أي: ويطلب منك يا محمد هؤلاء المشركون من أهل مكة المكذبون بالله وكتابه ورسوله، واليوم الآخر {بِالْعَذَابِ}؛ أي: بمجيء العذاب الذي تحذرهم منه وتوعدهم إياه عجلة إنكارًا منهم لوقوعه، واستهزاء بحلوله، وتعجيزًا له، واستبعادًا لمجيئه.

أي: يطلبون عجلتك بالعذاب؛ أي: أن تأتيهم به عاجلًا. وكانوا يقولون له كما تقول الأمم السابقة لأنبيائهم ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. ثم بين أنه آت لا محالة، فقال: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {وَعْدَهُ}؛ أي: لن يترك وفاء ما وعده لك من نصرك عليهم، وإنزال العذاب لهم في الدنيا. وقد أنجز الله وعده يوم بدر، فقتل منهم سبعون، وأسر منهم سبعون.


(١) الخازن.
(٢) المراغي.