للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر (١) أن لهم مع عذاب الدنيا في الآخرة عذابًا طويلًا، فقال: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ} من أيام عذابهم في الآخرة لشدة هوله، وأليم عذابه {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} من سني الدنيا في الثقل، والاستطالة وكثرة الآلام، فلو عرفوا حال عذاب الآخرة أنه بهذا الوصف لما استعجلوه. والخطاب فيه للرسول ومن معه من المؤمنين. كأنه قيل: كيف يستعجلون بالعذاب، ويوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنِتَكُم. إما من حيث طول أيام عذابه حقيقة، أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة، كما يقال: ليل الفراق طويل وأيام الوصل قصار. ويقال: سنة الوصل سنة. وسنة الهجر سنة. اهـ "روح البيان".

وقيل معناه (٢): أن يومًا عنده وألف سنة في الإمهال سواء؛ لأنه قادر متى شاء أخذهم، لا يفوته شيء بالتأخير فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلونه من العذاب وتأخيره.

ومعنى {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ}؛ أي (٣): وكيف ينكرون مجيء ذلك العذاب، وقد وعد الله به، وما وعد به كائن لا محالة، وهو كما فعل بمن قبلهم، يفعل بهم؛ لأن ذلك هو نهجه الثابت، وصراطه المستقيم، وسيحل بهم مثل ما حل بغيرهم.

ومعنى {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}؛ أي: وإن قلتم: إن العهد قد طال، ولم يحل بنا العذاب، فأين هو؟ قلنا: إن الله سبحانه حليم، وألف سنة عندكم كيوم عنده، فهو سينفد وعده بعد أمد طويل عندكم، قريب عنده، كما قال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)} فإذا تأخر عذاب الآخرة أمدًا طويلًا فلا يكون في ذلك إخلاف للوعد، فعشرون ألف سنة عند ربك كعشرين يومًا عندكم.

والخلاصة (٤): أن سنتي لا بد من نفاذها، ولا بد من إهلاك الظالمين ولو بعد حين، أممًا وأفرادًا، في الدنيا والآخرة، أو عذابهم في الآخرة فحسب مع


(١) الواحدي.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.