للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأطفال ونحوهم، أو أراد كفر الجحود، ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر بعضهم كفر جهلٍ، وكفر بعضهم بسبب تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مع اعترافهم بالله وعدم الجحد لربوبيته، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)}.

والمعنى: أي إن (١) أكثرهم جاحدٌ معاند يعلم صدق الرسول ولا يؤمن به، عتوًا واستكبارًا، وقليل منهم كان يجهل صدقه، ولم يظهر له كونه نبيًّا حقًّا من عند الله، لأنه لم ينظر في الأدلة النظر الصحيح، الذي يؤدي إلى الغاية، أو لم يعرف الحق لنقص في العقل، فهو لا يسلك سبيله، أو لم يصل إلى حد التكليف، فلا تقوم عليه حجة.

٨٤ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمه على الكافرين وإنكارهم لها، وذكر أن أكثرهم كافرون .. أتبعه بذكر الوعيد لهم في الآخرة فقال: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ}؛ أي: نحيي ونخرج من القبور، ويرجع إلى معنى نجيء ونأتي كما سيأتي، وهو يوم القيامة؛ أي: واذكر يا محمَّد لهؤلاء المشركين قصة يوم نحشر {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}؛ أي: قصة يوم نأتي من كل أمة من الأمم بشهيد ورسول، يشهد لهم بالإيمان لمن آمن منهم، ويشهد عليهم بالكفر والمعاصي على من كفر، {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} منهم من الاعتذار، وفي كثرة الكلام، ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمته تعالى، إذ لا عذر لهم، و {ثم} هنا (٢) للدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المنبىء عن الإقناط الكلي، وهو عندما يقال لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء - عليهم السلام - فهي للتراخي الرتبي، والعذر في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه، بأن يقول: لم أفعل، أو فعلت لأجل كذا، أو فعلت ولا أعود، {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}؛ أي: ولا الكفار يسترضون فيه؛ أي: لا يطلب منهم إرضاء ربهم بالتوبة والطاعة؛ أي: لا يطلب منهم العتبى؛ أي: الرجوع إلى طاعة الله تعالى؛ أي: لا يقال لهم أرضوا


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.