وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)}، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى عَزَّ وَجَلَّ، فأنزل الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قال - أي تعالى -: نعم {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم. أخرجه مسلم، وله عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وفيه: قد فعلت بدل نعم.
والحديث أخرجه أحمد في "المسند" وابن جرير والبيهقي في "شعب الإيمان".
التفسير وأوجه القراءة
٢٨٤ - {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} استدلال على قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} فاستدل بسعة ملكه على سعة علمه؛ أي: له سبحانه وتعالى لا لغيره جميع ما في السموات وما في الأرض، من الأمور الداخلة في حقيقتهما، والخارجة عنهما: من أولي العلم، وغيرهم، فقل غيرهم، فعبَّر {بِمَا}؛ لأنهم أكثر؛ أي: له تعالى الكل خلقًا وملكًا وتصرفًا، فالجميع عبيد له وهو مالكهم {وَإِنْ تُبْدُوا}؛ أي: وإن تظهروا أيها المكلفون {مَا فِي أَنْفُسِكُمْ}؛ أي: ما في قلوبكم من العزم على السوء بأن تظهروه للناس بالقول، أو بالفعل {أَوْ تُخْفُوهُ}؛ أي: تسروه بأن تكتموه منهم {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}؛ أي: يؤاخذكم به ويجازكم عليه يوم القيامة، ولا تَدْخل الوساوس وحديث النفس فيما يخفيه الإنسان؛ لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما اعتقده وعزم عليه.
فالخواطر الحاصلة في القلب على قسمين: ما يوطن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في حيِّز الوجود، وما لا يكون كذلك، بل تكون أمورًا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها، ولا يمكنه دفعها عن النفس. فالقسم الأول: يكون مؤاخذًا عليه، والثاني: لا يكون مؤاخذًا