على القدرة الباهرة، وذكر المحاسبة يدل على العلم المحيط بالجليل والحقير، فحصل بذكر هذين الوصفين غاية الوعد للمطيعين، وغاية الوعيد للعاصين.
قوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} .. إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما نزل قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ...} الآية، أشفقوا منه، ثم أمروا أن يقولوا سمعنا وأطعنا، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، فكشف عنهم ذلك الكرب، ورفع عنهم المشقة في أمر الخواطر.
ولما كان ابتداء هذه السورة بذكر الكتاب المنزل، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بما وصفوا به من الإيمان بالغيب، وبما أنزل إلى الرسول، وإلى من قبله .. كان مختمها بذكر الكتاب، ومن آمن به؛ ليتوافق الابتداء والاختتام، وذلك من أبدع الفصاحة؛ حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله، وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم، فبيَّن تعالى في آخر هذه السورة أن أولئك المؤمنين هم أمة محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم.
أسباب النزول
قوله:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ...} إلى آخر السورة، سبب نزولها: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآية، قال: اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"، فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم .. أنزل الله تعالى في أثرها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُ