١٦٠ - {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}: فالباء للسببية، والتنوين للتنكير والتعظيم؛ أي: فبسبب ظلم عظيم واقع من الذين رجعوا وتابوا عن عبادة العجل. {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}؛ أي: على الذين هادوا {طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}؛ أي؛ مستلذات كانت محللة لهم قبل ظلمهم، لا بسبب شيء آخر، كما زعموا أنها كانت محرمة على مَنْ قبلهم، فإن اليهود كانوا كلّما فعلوا معصية من المعاصي يحرم عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن قبلهم عقوبة لهم. يعني: ما حرمنا عليهم الطيبات التي كانت حلالًا لهم إلا بظلم عظيم ارتكبوه، وذلك الظلم هو: ما ذكره من نقضهم الميثاق، وما عدد عليهم من أنواع الكفر والكبائر العظيمة، مثل قولهم: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، وكقولهم: أرنا الله جهرة، وكعبادتهم العجل، فبسبب هذه الأمور حرَّم الله عليهم طيباتٍ كانت حلالًا لهم، لعلهم يرجعون عن ظلمهم، وكانوا كما ارتكبوا معصية يحرم عليهم نوع من الطيبات، وهم مع ذلك كانوا يفترون على الله الكذب، ويقولون: لسنا بأول من حُرِّمت عليه، بل كانت محرَّمة على نوح وإبراهيم، فكذبهم اللهُ تعالى في مواضع كثيرة؛ كقوله:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}.
أما الطيبات التي حرَّمها الله تعالى عليهم: فهي ما بُيِّن في قوله جل ذكره في سورة الأنعام: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الآية، وقد أبهمها الله تعالى هنا؛ لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة، لا بيانها في نفسها، كما أبهم الظلم الذي كان سببًا في العقوبة؛ ليعلم أن أي نوع منه يكون سببًا للعقاب في الدنيا والآخرة، والعقاب:
إما دنيوي: كالتكاليف الشاقة زمن التشريع، والجزاء الوارد في الكتب على الجرائم، كالحدود والتعزيرات، وما اقتضته السنن التي سنها الله تعالى في نظم الاجتماع، من كون الظلم سببًا لضعف الأمم، وفساد عمرانها، واستيلاء الأمم الأخرى عليها.
وإما أخروي: هو ما بينه في الكتاب الكريم من العذاب في النار، ثم بين