للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٣٢ - ثم وصل العظة بما يوجب قبولها بالتنبيه إلى نعم الله التي غمرتهم وفواضله التي عمتهم، وذكرها أولًا مجملة ثم فصلها؛ ليكون ذلك في نفوسهم، فيحتفظوا بها، ويعرفوا عظيم قدرها، فقال: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ}؛ أي: وخافوا عقاب الله الذي أعطاكم {بِمَا تَعْلَمُونَ} مما لا خفاء فيه عليكم من أنواع النعم الحاصلة لكم، أجملها هود عليه السلام أولًا،

١٣٣ - ثم فصلها بقوله: {أَمَدَّكُمْ} وأنعمكم {بِأَنْعَامٍ} من الإبل والبقر والغنم. وأعاد الفعل للتقرير والتأكيد {وَبَنِينَ} ذكور، ولم يذكر البنات؛ لأنها لا تعد عندهم من النعم، كما في قوله: ما هي بنعم الولد

١٣٤ - {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) أي: بساتين وأنهار وأبيار، والمعنى؛ أي (١): واتقوا عقاب الله بطاعتكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فابتعدوا عن اللعب واللهو وظلم الناس والفساد في الأرض، واحذروا سخط من أعطاكم من عنده ما تعلمون من الأنعام والبنين والبساتين والأنهار، تتمتعون بها كما شئتم حتى صرتم مضرب الأمثال في الغنى والثروة والزخرف والزينة، فاجعلوا كفاء هذا عبادة من أنعم بها، وتعظيمه وحده.

١٣٥ - ثم بين السبب في أمرهم بالتقوى، فقال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إن لم تقوموا بشكر هذه النعم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}؛ أي (٢): شديد عذابه في الدنيا والآخرة، فإن كفران النعمة مستتبع للعذاب، كما أن شكرها مستلزم لزيادتها. ووصف اليوم بالعظم؛ لعظم ما يحل فيه، وهو هبوب الريح الصرصر هاهنا.

والمعنى: أي إني أخاف عليكم إن أصررتم على كفركم، ولم تشكروا هذه النعم عذاب يوم شديد الهول، تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس فيه سكارى حيارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.

١٣٦ - وبعد أن بلغ الغاية في إنذارهم وتخويفهم وترغيبهم وترهيبهم .. كانت خاتمة مطافه أن قابلوه بالاستخفاف وقلة الاكتراث والاستهانة بما سمعوا، كما أشار إلى ذلك بقوله: {قَالُوا}؛ أي: قال قومه في جواب تذكير هود {سَوَاءٌ عَلَيْنَا


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.