إلى مدة .. فليس بواجب على الحاكم أن يحكم بينهم، بل يتخير في ذلك، وهذا التخيير المذكور في هذه الآية مخصوص بالمعاهدين. ولو ترافع إلينا ذميان في شرب الخمر .. لم نحدهما وإن رضيا بحكمنا؛ لأنهما لا يعتقدان تحريمها، وأمَّا إذا تحاكم مسلم وذمي وجب على الحاكم الحكم بينهم إجماعًا، لا يختلف القول فيه؛ لأنَّه لا يجوز للمسلم الانقياد لحكم أهل الذمة، وكذا الذمي مع المعاهدين، انتهى بزيادة بعض الحروف.
{وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ أي: وإن اخترت الإعراض عنهم ولم تحكم بينهم {فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} من الضرر، فالله حافظك من ضررهم؛ أي: لأنهم إنَّما يتحاكمون إليك لطلب الأخف، فإذا أعرضت عنهم، وأبيت عن الحكم بينهم .. شق عليهم إعراضك عنهم، وصاروا أعداء لك، فلا تضرك عداوتهم لك، فإن الله تعالى يعصمك من الناس {وَإِنْ حَكَمْتَ}، أي: وإن اخترت الحكم بينهم {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}؛ أي: بالعدل الذي أمرت به، وهو ما تضمنه القرآن واشتملت عليه شريعة الإِسلام {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}؛ أي: يثيب العادلين في الحكم.
٤٣ - والاستفهام في قوله {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} إلخ، إستفهام تعجيب من الله سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من تحكيمهم إياه، مع أنهم لا يؤمنون به وبكتابه، والحال أن الحكم منصوص عليه في التوراة التي يدعون الإيمان بها، وتنبيه على أنَّهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنَّما طلبوا به ما هو أهون عليهم لكان لم يكن ذلك حكم الله على زعمهم، ثم يعرضون عن حكمه - صلى الله عليه وسلم - الموافق لكتابهم من بعد التحكيم، والرضا بحكمه - صلى الله عليه وسلم - فقوله:{وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} حال من فاعل يحكمونك وقوله: {فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} حال من التوراة وقوله: {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ} معطوف على يحكمونك.
والمعنى: واعجب يا محمَّد من تحكيمهم إياك في حد الزنا، والحال أن عندهم التوراة كتابهم حالة كون التوراة موصوفة بكون حكم الله بالرجم في الزنا موجودًا فيها، ثم اعجب من توليهم وإعراضهم عن حكمك من بعد تحكيمهم