للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٥ - ثم بين ما يأتون من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام؛ ليكون أوقع في النفس، فقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ}؛ أي: لتطؤون أدبار الرجال {شَهْوَةً}؛ أي: لأجل الشهوة والتلذذ فقط، كالبهائم ليس فيها قصد إعفاف، ولا قصد ولد. {مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}؛ أي: حال كونكم متجاوزين النساء اللاتي هن محالُّ الشهوة. وفي قوله: {أَئِنَّكُمْ ...} إلخ تكرير للتوبيخ مع التصريح بأن تلك الفاحشة هي اللواطة: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} التحريم، أو العقوبة على هذه المعصية؛ أي: بل أنتم قوم سفهاء ماجنون متجاهلون، حيث لا تعملون بموجب علمكم، فإن من لا يجري على مقتضى بصارته وعلمه، ويفعل فعل الجاهل هو والجاهل سواء، {تَجْهَلُونَ} صفة لـ {قَوْمٌ}، والتاء فيه؛ لكون الموصوف في معنى المخاطب.

فإن قلت (١): إذا فسرنا {تُبْصِرُونَ} بالعلم، وقد قال بعده {قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فيكون العلم جهلًا فبينهما مناقضة؟

تلت: معناه تفعلون فعل الجاهلين، وتعلمون أنه فاحشة، وقيل: تجهلون العاقبة، وقيل: أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها.

وقرىء (٢): {أَئِنَّكُمْ} بتحقيق الهمزتين وبتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين أو تركه، فالقراءات أربع. واختار الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية من {أَئِنَّكُمْ}، فأما الخط فالسبيل فيه أن يكتب بألفين على الوجوه كلها؛ لأنها همزة مبتدأة دخلت عليها ألف الاستفهام. ذكره "القرطبي".

ومعنى الآية: أي (٣) أينبغي أن تاتوا الرجال، وتقودكم الشهوة إلى ذلك، وتذروا النساء اللاتي فيهن محاسن الجمال وفيهن مباهج الرجال، إنكم لقوم جاهلون سفهاء حمقى ماجنون.

وقد أشار سبحانه إلى قبيح فعلهم، وعظيم شناعته من وجوه:


(١) الخازن.
(٢) الجلالين.
(٣) المراغي.