للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥ - ٥٥ المآكل، كما قال: {يَدْعُونَ}؛ أي: يطلبون {فِيهَا}؛ أي: في الجنات {بِكُلِّ فَاكِهَةٍ}؛ أي: يأمرون بإحضار ما يشتهونه من الفواكه، لا يتخصص شيء منها بمكان ولا زمان، وذلك لا يجتمع في الدنيا، يعني: أن فواكه الدنيا لا توجد في كل مكان، ولها أزمنة مخصوصة، لا تستقدمها ولا تستأخرها، وقوله: {آمِنِينَ} حال من فاعل {يَدْعُونَ}؛ أي: حال كونهم آمنين من كل ما يسوءهم أيا كان، خصوصًا الزوال والانقطاع، وتولد الضرر من الإكثار، وحجاب القلب، كما يكون في الدنيا فيكونون في الصورة مشغولين بالحور العين، وبما يشتهون من النعيم، وبالقلوب متوجهين إلى الذات العلية، مشاهدين لها.

والمعنى (١): يطلبون ما يشتهون من أنواع الفاكهة، وهم آمنون من انقطاعها، ومن غائلة أذاها ومكروهها، فهي ليست كفاكهة الدنيا التي نأكلها، ونخاف مكروه عاقبتها، أو نخاف نفادها في بعض الأحايين.

٥٦ - وبعد أن وصف ما هم فيه من نعميم مقيم، بين أن حياتهم في هذا النعيم دائمة، لا يلحقها موت ولا فناء، فقال: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا}؛ أي: في الجنات {الْمَوْتَ} أبدًا {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} التي ذاقوها في الدنيا، وقرأ (٢) عبيد بن عمير {لا يذاقون} مبنيًا للمفعول، والموت والموتة: مصدران من فعل واحد، كالنفخ والنفخة، إلا أن الموتة أخص من الموت؛ لأن الموتة للوحدة والموت للجنس، فيكون بعضًا من جنس الموت، وهو فرد واحد، ونفي الواحدة أبلغ من نفي الجنس، فكانت أقوى وأنفى في نفي الموت عن أنفسهم، كأنه قال: لا يذوقون فيها شيئًا من الموت يعني: أقل ما ينطلق عليه اسم الموت، كما في "بحر العلوم"، والاستثناء (٣) منقطع؛ أي: لا يذوقون الموت في الجنة لكن الموتة الأولى قد ذاقوها قبل دخول الجنة، فعيشتهم المرضية مقارنة للحياة الأبدية، بخلاف أهل النار، فإنه لا عيشة لهم، وكذا لا يموتون فيها، ولا يحيون، ويقال:


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.