للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تؤمن مغبته، ولا نصل أخيرًا إلى معرفة الحق فيه، ولنكتف بذلك، فالعبرة به ماثلة ولا نتزيد فيه.

روي (١): أن الله تعالى أجاب دعاء سليمان، بأن سخر له ما لم يسخره لأحد من الملوك، وهو الرياح، والشياطين، والطير، وسخر له من الملوك، ما لم يتيسر لغيره مثل ذلك، فإنه روي: أنه ورث ملك أبيه داود، في عصر كيخسرو بن سياوش، وسار من الشام إلى العراق، فبلغ خبره إلى كيخسرو، فهرب إلى خراسان، فلم يلبث إلا قليلًا حتى هلك، ثم سار إلى مرو ثم سار إلى بلاد الترك فوغل فيها، ثم جاز بلاد الصين، ثم عطف إلى أن وافى بلاد فارس، فنزلها أيامًا، ثم عاد إلى الشام، ثم أمر ببناء بيت المقدس، فلما فرغ منه سار إلى تهامة، ثم إلى صنعاء، وكان من حديثه مع صاحبة صنعاء، وهي بلقيس، ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. وغزا بلاد المغرب، والأندلس، وطنجة وإفرنجة، ونواحيها.

٣٩ - ثم ذكر سبحانه، أنه أباح له أن يتصرف في كل هذا الملك الواسع، كما شاء، دون رقيب ولا حسيب. فقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا} وهو معمول لقول محذوف؛ أي (٢): فسخرنا له جميع ما ذكر، وقلنا له: هذا الذي أعطيناك من الملك العظيم والبسطة، والتسلط على ما لم يتسلط عليه غيرك، عطاؤنا الخاص بك، الذي لا يقدر عليه غيرنا. {فَامْنُنْ}؛ أي: فأعط منه من شئت من قولهم: من عليه منا إذا أنعم عليه. {أَوْ أَمْسِكْ}؛ أي: وامنع منه من شئت. و {أَوْ} هنا للإباحة. وقوله: {بِغَيْرِ حِسابٍ} حال من المستكن في الأمر؛ أي: حالة كونك غير محاسب على منّه وإحسانه، ومنعه وإمساكه، لا حرج عليك فيما أعطيت، وفيما أمسكت، لتفويض التصرف فيه إليك على الإطلاق. وقيل (٣): الإشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإمساك: إطلاقهم أو إبقائهم في القيد. وفي «المفردات»: قيل: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب؛ أي: تناول كما تحب في


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البيضاوي.