تقييدهم وتصفيدهم بالأغلال والأصفاد؟. وفيه إشكال، وهو أن هذه الشياطين، إما أن تكون أجسادهم كثيفة أو لطيفة، فإن كانت كثيفة، وجب أن يراهم من كان صحيح الحاسة، إذ لو جاز أن لا يراهم مع كثافة أجسادهم، لجاز أن يكون بحضرتنا جبال عالية، وأصوات هائلة لا نراها، ولا نسمعها، وذلك سفسطة، وإن كانت أجسادهم لطيفة، واللطافة تنافي الصلابة، فمثل هذا يمتنع أن يكون موصوفا بالقوة الشديدة، بحيث يقدر بها على ما لا يقدر عليه البشر؛ لأن الجسم اللطيف، يكون ضعيف القوام، تتمزق أجزاؤه بأدنى المدافعة، فلا يطيق تحمل الأشياء الثقيلة، ومزاولة الأعمال الشاقة، وأيضا لا يمكن تقييده بالأصفاد والأغلال، قلنا: إن أجسادهم لطيفة، ولكن شفافة، ولطافتها لا تنافي صلابتها، بمعنى الامتناع من التفرق، فلكونها لطيفة لا ترى، ولكونها صلبة يمكن تقييدها، وتحملها الأشياء الثقيلة ومزاولتها الأعمال الشاقة، ولو سلم أن اللطافة تنافي الصلابة، إلا أنا، لا نسلم أن اللطيف الذي لا صلابة له، يمتنع أن يتحمل الأشياء الثقيلة، ويقدر على الأعمال الشاقة، ألا ترى: أن الرياح العاصفة تفعل أفعالًا عجيبة، لا تقدر عليها جماعة من الناس.
وفي «الأسئلة المقحمة»: الجن أجسام مؤلفة، وأشخاص ممثلة، ولا دليل يقضي بأن تلك الأجسام لطيفة أو كثيفة، بل يجوز أن تكون لطيفة، وأن تكون كثيفة، وإنما لا نراهم لا للطافتهم كما يزعمه المعتزلة، ولكن لأن الله تعالى لم يخلق فينا إدراكًا لهم، انتهى.
والحق أن يقال (١): إنا لا نعلم حقيقة تلك القيود، ولا كيف تكون العقوبة، كما لا نعلم كيف يشتغل الشياطين، وكيف يبنون أو يغوصون؟. فكل ذلك في عالم لا ندرك شيئًا من أحواله، فعلينا أن نؤمن، بأن سليمان لعظم ملكه، لم يكتف بتسخير الإنس في أعماله، بل سخر معهم الجن، فيما يصعب عليهم، ونتقبل هذا كما قصه القرآن، دون دخول في التفاصيل خوفًا من الزلل الذي لا