للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رَبِّكُمْ} ومعجزة شاهدة على رسالتي، دالة على صدق ما أقول، وفي قوله: {مِنْ رَبِّكُمْ} (١) إيماء إلى أنّهم مربوبون، وأنّ فرعون ليس ربا ولا إلها، وإلى أنّ البينة ليست من كسب موسى ولا مما يستقل به عليه السلام. ثم فرع على مجيئه بالبينة طلبه منه أن يرسل معه بني إسرائيل؛ أي: يطلقهم من أسره ويعتقهم من رقه وقهره، ليذهبوا معه إلى دار غير داره، ويعبدوا فيها ربهم وربه فقال: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ}؛ أي: أطلقهم من أسرك، وخلهم من استعبادك، ليذهبوا معي إلى الأرض المقدسة، التي هي وطن آبائهم مع أموالهم فكان فرعون عاملهم معاملة العبيد في الاستخدام والأعمال الشاقة، مثل ضرب اللبن، ونقل التراب، ونحو ذلك من الأعمال الشاقة. وقال المفسرون: كان سبب سكنى بني إسرائيل بمصر - مع أنّ أباهم كان بالأرض المقدسة - أن الأسباط أولاد يعقوب جاؤوا مصر إلى أخيهم يوسف، فمكثوا وتناسلوا في مصر، فلما ظهر فرعون .. استعبدهم واستعملهم في الأعمال الشاقة، فأحب موسى أن يخلصهم من هذا الأسر، ويذهب بهم إلى الأرض المقدسة وطن آبائهم، وكانوا يؤدون إلى فرعون الجزاء، فاستنقذهم الله بموسى.

وكان (٢) بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر، واليوم الذي دخل فيه موسى أربع مئة عام، والظاهر أن موسى لم يطلب من فرعون في هذه الآية إلا إرسال بني إسرائيل معه، وفي غير هذه الآية دعاه إياه إلى الإقرار بربوبية الله تعالى وتوحيده، قال تعالى: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)} وكل نبي داع إلى توحيد الله تعالى، وقال تعالى حكاية عن فرعون: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} فهذا ونظائره دليل على أنّه طلب منه الإيمان، خلافا لمن قال: إنّ موسى لم يدعه إلى الإيمان، ولا إلى التزام شرعه. وليس بنو إسرائيل من قوم فرعون والقبط؛ ألا ترى أنّ بقية القبط - وهم الأكثر - لم يرجع إليهم موسى، ثمّ حكى سبحانه ما قاله فرعون حينئذ:

١٠٦ - {قالَ} فرعون لموسى {إِنْ كُنْتَ} يا موسى {جِئْتَ} وأتيت من عند من أرسلك {بِآيَةٍ} ومعجزة وحجة دالة


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.