فهذا الفتح كان كفيلًا بهذه الشؤون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله: لقد بلّغت الرسالة، ونصبت في العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطّفت وأغلظت، وأخلصت في عملك، وفعلت في وجيز الزمن ما لم ينله مثلك في طويله، حتى تم ما ندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقر عينًا بما آل إليه أمرك في الدنيا والآخرة.
فإن قلت (١): وصف الله تعالى النصر بكونه عزيزًا، والعزيز: هو المنصور صاحب النصر، فما معناه؟
قلت: معناه: ذا عزّة، كقوله:{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}؛ أي: ذات رضًا، وقيل: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادًا مجازيًا، يقال: هذا كلام صادق، كما يقال: متكلّم صادق. وقيل: معناه: نصرًا عزيزًا صاحبه، فحذف المضاف إيجازًا واختصارًا، وقيل: إنما يحتاج إلى هذه التقديرات إذا كانت العزّة بمعنى الغلبة، والعزيز: الغالب، أما إذا قلنا: إنّ العزيز: هو النفيس القليل، أو العديم النظير، فلا يحتاج إلى هذه التقديرات؛ لأنّ النصر الذي هو من الله تعالى عزيز في نفسه، لكونه من الله تعالى، فصحَّ وصف كونه نصرًا عزيزًا. اهـ من "الخازن".
٤ - ولمَّا قال تعالى: {وَيَنْصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا (٣)} .. بيَّن وجه هذا النصر، فقال:{هُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي أَنْزَلَ} وألقى {السَّكِينَةَ} والطمأنينة {فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} وهم: أهل الحديبية؛ أي: وهو الذي جعل السكينة التي هي الطمأنينة، والثبات، وعدم التزلزل في قلوب المؤمنين، بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس، ويزيغ القلوب من صد الكفار، ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصودهم، فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا، ويلزم من ذلك ثبات الأقدام عند اللقاء في الحروب وغيرها، فكان ذلك من