للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفاني، فإن العاقل يطلب ثواب الآخرة حتى يحصل له ذلك، ويحصل له ثواب الدنيا على سبيل التبع.

والمعنى: فعند الله تعالى ثواب الدارين جميعًا، بما أعطاكم من العقل والشعور وهداية الحواس، فعليكم أن تطلبوهما معًا، ولا تكتفوا بما هو أدناهما وهو ما يفنى، وتتركوا أعلاهما وهو ما يبقى، مع أن الجمع بينهما هين ميسور لكم، وهو تحت قدرتكم وسلطانكم، فمن خطل الرأي أن تتركوا ذلك، وترغبوا عنه، بل عليكم أن تقولوا: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

والخلاصة: أن من أراد بعمله الدنيا .. آتاه الله منها ما أراد، وصرف عنه من شرها ما أراد، وليس له ثواب في الآخرة يجزى به، ومن أراد بعمله وجه الله وثواب الآخرة .. فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، يؤتيه من الدنيا ما قدر له، ويجزيه في الآخرة خير الجزاء ذكره في "الخازن".

وفي الآية (١) إيماء إلى أن الدين يهدي أهله إلى السعادتين، وإلى أن ثواب الدنيا والآخرة من فضله تعالى ورحمته، وفي الآية أيضًا (٢) تعريض بالكفار الذين كانوا لا يؤمنون بالبعث، وكانوا يقولون: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، وظاهر (٣) الآية العموم، وقال ابن جرير الطبري: إنها خاصة بالمشركين والمنافقين، {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {سَمِيعًا} لأقوال عباده حين مخاطباتهم ومناجاتهم {بَصِيرًا} بجميع أمورهم في سائر حالاتهم، فعليهم أن يراقبوه في الأقوال والأفعال، وبذلك تزكو نفوسهم، وتقف عند حدود الفضيلة، التي بها تستقيم أمورهم في دنياهم، ويستعدون لحياة أبدية في آخرتهم يكون فيها نعيمهم وثوابهم.

١٣٥ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {كُونُوا قَوَّامِينَ}؛ أي: مبالغين في القيام {بِالْقِسْطِ} والعدل وإثباته، ومديمين القيام، فمن عدل مرة أو مرتين. لا


(١) المراغي.
(٢) الواحدي.
(٣) الشوكاني.