للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصدق توبتهم فرزقهم الإنابة والتوبة. وفي تكرير (١) التوبة تأكيد ظاهر، واعتناء بشأنها إن كان الضمير راجعًا إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم، وإن كان الضمير إلى الفريق .. فلا تكرار، أو يراد بالأول: إنشاء التوبة، وبالثاني: استدامتها. فإن (٢) قلت: قد ذكر التوبة أولًا، ثم ذكرها ثانيًا، فما فائدة التكرار؟

قلتُ: إنه تعالى ذكر التوبة أولًا، قبل ذكر الذنب، تفضلًا منه، وتطييبًا لقلوبهم، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى؛ تعظيمًا لشأنهم، وليعلموا أنه سبحانه وتعالى قد قبل توبتهم وعفا عنهم.

ثم علل قبول توبتهم بقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} تأكيدًا لذلك؛ أي: إنه سبحانه وتعالى رؤوف بهم؛ أي: منعم عليهم بجلائل النعم التي منها مجرد الإيمان، وأنه رحيم بهم؛ أي: منعم عليهم بدقائقها التي منها قوة الإيمان وزيادته بقبول التوبة. وقيل: معنى رؤوف؛ أي: مكرم لهم بدفع المضار عنهم، رحيم بهم بجلب المنافع لهم. وفي، "الفتوحات" الرأفة، عبارة عن السعي في إزالة الضرر، والرحمة، عبارة عن السعي في إيصال النفع، اهـ. وقيل: رؤوف بهم، فلا يحملهم ما لا يطيقون من العبادة رحيم بهم، فلا (٣) يهملهم بأن ينزع الإيمان منهم، بعد ما أبلوا في الله، وأبلوا مع رسوله، وصبروا في البأساء والضراء.

وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: {كَادَ يَزِيغُ} بالياء التحتية. وقرأ باقي السبعة: {تزيغ} بالتاء الفوقية. وقرأ الأعمش، والجحدري: {تزيغ} بضم التاء. وقرأ أبي: {من بعد ما كادت تزيغ}. وقرأ ابن مسعود: {من بعد ما زاغت}.

ومعنى تزيغ: تتلف بالجهد والمشقة والشدة، وقيل، معناه: تميل عن الحق، وتترك المناصرة والممانعة، وقيل معناه: تهم بالتخلف عن الغزو لما هم فيه من الشدة العظيمة.

١١٨ - وقوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ} معطوف على قوله: {عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} وفائدة هذا العطف، بيان قبول توبتهم؛ أي: ولقد تاب الله سبحانه


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) الشوكاني.